صندوق التنبيهات أو للإعلان

الشراكة الأورو متوسطية:نظرة في المفاهيم والنظريات - مجلة الفكر الحر - العدد 110

أضف تعليق00:59, Publié par موقع عربي بومدين

الساحل الإفريقي ضمن الإستراتيجية الأمريكية - مجلة الفكر الحر - العدد 109

أضف تعليق02:22, Publié par موقع عربي بومدين

السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر

أضف تعليق15:25, Publié par موقع عربي بومدين

على الرغم من التغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن هذه السياسة بدأت تتحدد وترسم قبل ذلك بعقود. كانت الولايات المتحدة قد فقدت "المحفز الاستراتيجي" بعد الحرب الباردة، والذي تمثل بالتهديد السوفيتي، والخطر الشيوعي، فاتجهت أنظار السياسة الأمريكية إلى تصوير الأصولية الإسلامية " الارهاب" كتهديد ليس فقط لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية بل للقيم الديمقراطية الغربية عموماً، محددة بذلك ملامح "المحفز الاستراتيجي الجديد". وتعود أهمية هذا المحفز في دولة تعتمد الديمقراطية طريقاً للحكم، لضمان استمرار التأييد والدعم الشعبي لسياسة التفوق العسكري النوعي.

جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتمثل نقطة تحول في صياغة النظام العالمي للقرن الحادي والعشرين بعد أن أتاحت الفرصة أمام الولايات المتحدة لتحديد معايير "المحفز الاستراتيجي" الإرهاب العالمي من وجه النظر الأمريكية، والذي تحتاج إليه الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية، لتسترجع مرة أخرى لهجتها القوية في سنوات الحرب الباردة "من ليس معنا فهو ضدنا". وتشير الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط إلى أن الحرب على الإرهاب هو التحدي الحاسم الذي يواجه هذا الجيل تماماً مثله مثل الكفاح ضد الشيوعية والفاشية تحديات الأجيال السابقة". أي أن الولايات المتحدة لم تعد تواجه خصماً استراتيجياً أو بلداً وحيداً أو متحالفاً عبر الحدود وإنما بات خطر الإرهاب قادماً من قبل خلايا إرهابية مزروعة داخل البلدان المختلفة، مما يعني أن الجغرافيا السياسية أصبحت محور الارتكاز في السياسة الخارجية الأمريكية بشكل لم يسبق له مثيل منذ نهاية الحرب الباردة.

كما أدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى تعزيز المكانة العالمية للولايات المتحدة، ودفع القوى المنافسة لها في أوروبا الموحدة واليابان وروسيا الاتحادية والصين والهند إلى التعاون بصورة وثيقة معها وهي مسألة لم تكن متوقعة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مما أدى إلى بناء علاقة شراكة جديدة بين الجانبين. وبينما كانت السياسة الخارجية الأمريكية تمثل بانفرادية، أقنعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر جميع القوى الدولية بان الإرهاب أصبح يمثل تهديداً داهماً وأن أياً من هذه القوى لا تملك بمفردها الوسائل الكفيلة لمواجهة هذه التهديد. ويمكن للمتابع رصد ذلك التحول في العلاقة من خلال تغير لغة الخطاب السياسي الأمريكي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي طالبت بالعودة من جديد للحوار والتعاون والتنسيق مع أوروبا القديمة.

وتوضح طبيعة الأهداف الأمريكية اليوم (الإستراتيجية الأمريكية) في منطقة الشرق الأوسط استمرار التوجه العام لتلك السياسة الأمريكية ولكن في ظل استخدام تكتيك أكثر حدية. ولم تخرج أهداف السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط عن الحفاظ على أمن وتفوق إسرائيل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، والسيطرة المباشرة على أهم مصادر الطاقة في العالم المتمثلة في النفط العربي، كأكبر مخزون للنفط العالمي، وإعادة رسم خارطة القوى السياسية في منطقة الشرق الأوسط.

وقد يكون خوض الولايات المتحدة لحرب الخليج الثانية والثالثة، والتزامها الصارم بسياسة العقوبات والاحتواء في غضون الأعوام الواقعة بين الحربين، يعود إلى حرص الولايات المتحدة حماية مصادر حصولها التقليدي على النفط، وتوسيعها بمصادر نفطية جديدة (العراق). وعلى الرغم من أن عامل النفط يملي على الولايات المتحدة الحفاظ على سياسة الاستقرار في المنطقة، إلا أن حربي الخليج عكستا تحولاً كبيراً في تكتيكات السياسة الأمريكية الشرق أوسطية، استمد مقوماته من انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي وتفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم،
تلك المقومات التي سمحت للولايات المتحدة بتحديد معنى وحدود الاستقرار في المنطقة الشرق أوسطية. ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتعطي الولايات المتحدة فرصة أو مبرراً لتحقيق أهدافها في منطقة الشرق الأوسط باستخدام وسائل "تكتيكات" دون حدود أو قيود في ظل تثبيت المقومات السابقة.

ساهم صعود المحافظون الجدد إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية، واستخدام الولايات المتحدة لتكتيك الضربة الوقائية ضد "الإرهاب والأصولية" بدلاً من سياسة الردع والاحتواء التي كانت النهج الذي سلكته الولايات المتحدة في سياستها السابقة. ويعتبر المحافظون الجدد ذو التوجهات الأكثر ايجابية تجاه الصهيونية وإسرائيل مقارنة باليمين المحافظ، ويحملوا أفكاراً ومعتقدات معادية للإسلام والمسلمين و العرب.

باتت سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط قليلة الصبر تجاه مصادر الخطر والنزاع في المنطقة، وأصبحت الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام كامل نفوذها وجل قوتها للتخلص مما قد تعتبره مصدر تهديد لأمنها ومصالحها، لتعود بذلك للمربع الأول بفرض الاستقرار حتى لو اضطرت لفرضه قسراًً وعنوة. 

امتد مركز الاهتمام الأمريكي من قلب الخليج العربي بعد أن بات أداة طيعة في يد الاستراتيجية الأمريكية إلى بلاد الشام، حيث بدأت بإحكام سيطرتها على المنطقة بأسرها، إما من خلال ضمان أنظمة صديقة أو محاربة للأنظمة المتمردة بفرض الديمقراطية أو محاربة الإرهاب. وقد تجسد ذلك الاهتمام مختلطاً بالتنسيق مع القوى الكبرى في قرار "مجلس الأمن 1559" الذي طالب سوريا بسحب قواتها من لبنان، وما سمي بالإصلاح السياسي ونشر الديمقراطية في هذه الدول.

تبنت الولايات المتحدة إستراتيجية أكثر جرأة في مجال مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل بعد إعلانها أن ذلك جزءاً من إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي والتي تؤكد إبقاء أخطر أسلحة العالم بعيدة عن أيدي أكثر الأشخاص خطورة في العالم. وعلى الرغم من أن هذه التوجهات لم تكن بالجديدة وإنما هي جزءاً من سياسة قديمة جديدة تنتهجها الولايات المتحدة بتكتيكات مختلفة سعيا لتحقيق أهداف سياستها الخارجية في منطقة الشرق الأوسط، لكن الجديد جرأة وعنف التكتيكات المستخدمة لتحقيق تلك الأهداف، في ظل وجود المبرر "أحداث الحادي عشر من سبتمبر" وعدم وجود الرادع. وكان (بول وولفتز) نائب وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت، قد حدد اتجاهات الولايات المتحدة في سياستها الخارجية في مذكرة أعدها عام 1992، "بضرورة ردع أي قوة محتملة تتطلع للقيام بدور عالمي أو إقليمي"، وذلك كان يبدو ممكناً في ظل اختفاء الرادع الاستراتيجي في تلك الفترة، إلا أنه يبدو اليوم منطقياً في ظل وجود المبرر وعدم وجود الرادع. 

وقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق (جورج دبليو بوش) صراحة في أيلول سبتمبر 2002، عن تنفيذ تلك الإستراتيجية الأمريكية الجريئة والتي عرفت بـ "مذهب بوش"، بإعلانه عن تقييد حصول الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة محاوراً للشر، على أسلحة الدمار، الشامل وتطوير كل الإمكانيات التي توفر الحماية للولايات المتحدة بتفعيل جميع الاتفاقات المتعلقة بذلك، كاتفاقية الحد من الانتشار النووي، واتفاقية الأسلحة البيولوجية، واتفاقية خفض التسلح ومسألة التفتيش على أسلحة الدمار الشامل. كما استخدمت الولايات المتحدة منهج فرض عقوبات اقتصادية دبلوماسية على الدول المتمردة على سياستها من خلال مجلس الأمن الدولي، هذا بالإضافة إلى التلويح بالقيام بضربة "عسكرية وقائية" لأي تهديد حالي أو مستقبلي من قبل تلك الدول. 

ويعود السبب وراء رفض الولايات المتحدة امتلاك إيران سلاح نووي، إلى كونه مهدداً مباشراً لأهدافها الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، فبالإضافة إلى أنه سيخل بموازين القوة في المنطقة التي تميل لصالح إسرائيل حليفتها الأولى فيها، يشكل السلاح النووي الإيراني تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة في منطقة الخليج. إن إيران بامتلاكها سلاحاً نووياً في منطقة الشرق الأوسط تشكل منافساً ومنازعاً استراتيجياً للولايات المتحدة في هذه المنطقة. فإيران دولة إسلامية تملك نفوذاً ومكانةً سياسية يجسدها دعم إيران لحركة حزب الله في لبنان، وحركة حماس في فلسطين، والتحالف الإيراني السوري، إضافة إلى الامتداد الشيعي في منطقة الخليج. إن امتلاك إيران لقوة نووية عسكرية في المنطقة سيمدها بزخم عسكري يدعم من مكانتها السياسية، ويشكل خطراً مباشراً على مصالح الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي، بل وأيضاً على حلفاء الولايات المتحدة المعروفين في هذه المنطقة. هذه السياسة توضحها بجلاء تصريحات وزيرة الخارجية السابقة (كوندايزا رايس) في كلمتها أمام لجنة الميزانية في الكونغرس عندما قالت: " إن أحد أكبر التحديات في الشرق الأوسط هي سياسة النظام الإيراني في زعزعة الوضع في أكثر مناطق العالم هشاشة.... إن سياسة إيران الإقليمية تثير قلقاً كبيراً فهي مع شريكتها سوريا تزعزع استقرار لبنان والأراضي الفلسطينية وحتى جنوب العراق".

وإذا التقت مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط بضرب القوة العسكرية النووية الإيرانية، مع أهداف الدولة العبرية "إسرائيل" تكون المعادلة السياسية قد اتضحت. إن إسرائيل تعتبر البرنامج النووي الإيراني (السلمي أو العسكري) خطراً مهدداً لوجودها وهذا ما أكده رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست بأن البرنامج النووي الإيراني يشكل "أكبر تهديد لوجود إسرائيل منذ قيامها عام 1948"، وتستغل إسرائيل التصريحات العلنية للقيادة الإيرانية ضدها لتبرير أهدافها. 

ويتبين بجلاء طبيعة العلاقة بين دور المحافظين الجدد الذين ربطوا بين الخطر النووي الإيراني وبين أمن واستقرار واستمرار الدولة العبرية في منطقة الشرق الأوسط لتبديد الحلم النووي الإيراني، بردع أي قوة تحاول البروز إقليمياً أو دولياً في منطقة تعتبر حيوية ومهمة للولايات المتحدة الأمريكية، ليحققوا بذلك أهم أهداف السياسة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط بالحفاظ على أمن الدولة العبرية والقضاء على أي خطر يهدد المصالح النفطية، وتحييد أي قوة سياسية تتدخل في الرسم الأمريكي للخريطة السياسية في المنطقة. 

من ذلك نستطيع فهم محاولات الولايات المتحدة تحجيم دور إيران الإقليمي ودور قدراتها ومكانتها ومستقبلها النووي في المنطقة، وسعيها لتغيير النظام الداخلي في طهران بعد أن خصصت مبلغ خمسة وسبعين مليون دولار أمريكي من الكونجرس لدعم خطوات دعم الديمقراطية في طهران، ووضعتها ضمن إطار الخطوات الفعلية لسياسة تغيير النظام، هذا بالإضافة إلى ضرب التيارات الإقليمية التي تدعمها إيران كحركة حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين والقيادة السورية، وتغيير أنظمة سياسية معارضة لها بالقوة كما كان في العراق، وتحييد أنظمة سياسية عربية صديقة لها، وتشجيع تيارات سياسية ذات رؤية وسياسة مؤيده لمواقف الولايات المتحدة مثل تيار المستقبل في لبنان وقيادة السلطة الوطنية الحالية في الأراضي الفلسطينية. كل ذلك يمكن أن يساعد في إعطاء تفسر لسياسة الإصلاح السياسي التي انتهجتها الولايات المتحدة لإدخال الديمقراطية وحقوق الإنسان في مبادرات الشرق الأوسط الكبير، ويلقي الضوء على حقيقة الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط. 

وكانت الولايات المتحدة قد وضعت إيران على قائمة محور الشر إلى جانب العراق وكوريا الشمالية، وقد وصف الرئيس الأمريكي السابق (جورج دبليو بوش) إيران بالدولة "الراعية للإرهاب". ورغم اختلاف "التكتيك" وسائل الولايات المتحدة لمنع وصول إيران لامتلاك القوة النووية بين الإدارات المختلفة، فما بين سياسة كلينتون "الاحتواء المزدوج" لكل من إيران والعراق، منذ عام 1993، وسن قانون الحظر (دامتر) عام 1996 ثم الضغط على أوروبا واليابان والعالم العربي لتقليص تعاونهم مع الجمهورية الإسلامية إلى سياسة بوش الابن "التهديد المباشر" لإيران والدول الأخرى في المنطقة، وأخيراً سياسة الحوار المشروط لإدارة الرئيس (باراك أوباما) يبقى الهدف الأمريكي واحداً ومحدداً باتجاه القضاء على قوة ومكانة إيران في المنطقة. 

وكانت الولايات المتحدة قد غيرت من تكتيك تحقيق أهدافها مع إيران عندما صرح الرئيس (باراك أوباما) خلال حملته الانتخابية بعيد تسلمه الرئاسة، استعداد بلاده للدخول في حوار ومباحثات نووية متعددة الأطراف مع إيران، مع الإبقاء على العقوبات كوسيلة للضغط، ودبلوماسية إقليمية مكثفة، ودولية أوسع لزيادة الضغط في حال فشل الوصول إلى التحولات المطلوبة مع إيران.

ويفصح الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" عن سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران من خلال تصريحات صرح بها بعيد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي"بنيامين نتنياهو" في 18/5/2009 حيث قال أوباما: "أننا منخرطون في عملية للتواصل مع إيران وإقناع الإيرانيين أنه ليس من مصلحتهم السعي لحيازة سلاح نووي وأن عليهم تغيير أسلوبهم. ولكنني طمأنت رئيس الوزراء أننا لا نستثني مجموعة من الخطوات، بما فيها عقوبات دولية أقوى بكثير لنضمن أن إيران تفهم أننا جادون." ويتضح بجلاء أن التقاء الأهداف الأمريكية الإسرائيلية لتحييد إيران القوية والنووية فاعل ومستمر ولم يؤثر انتخاب إدارة أمريكية جديدة عام 2009 على أي تحالف بينها بأي شكل من الأشكال.

يقول (غازيت ايفانز) رئيس مجموعة الأزمات في مقال بعنوان "الخط الأحمر النووي الصحيح":"إن ما يريده المجتمع الدولي من إيران هو الا تنتج أسلحة نووية البتة. والخط الأحمر ذو الأهمية هنا هو ذاك الموجود في قلب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، بين القدرة العسكرية والسلمية، لو اقتناع جيران إيران، بما فيهم إسرائيل والعالم الأوسع، أن ذلك الخط الأحمر سيصمد، فلن تكون قدرة إيران على إنتاج وقودها النووي بالأمر الهام. سيصمد ذلك الخط إذا استطعنا إقناع إيران بقبول مراقبة شديدة التدخل، ونظام تحقيق وتفتيش يتجاوز ضمانات معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية المطبقة حالياً ويتضمن كلا من إجراءات التفتيش الاختياري الإضافية المتاحة في تلك المعاهدة فضلا عن المزيد من الإجراءات الصارمة. ستحتاج إيران كذلك لبناء الثقة عن طريق موافقتها على إطالة الزمن اللازم لتطوير قدرات التخصيب لديها، وأن لا تقوم بأي نشاط صناعي وحدها، ولكن بالتعاون مع مجموعة دولية." ويبدو أنه حتى وإن أعلنت إيران وقف نشاطاتها النووية، فستبقى الهاجس السياسي العسكري الكبير بالنسبة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، والعدو اللدود لإسرائيل.

إن سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط لم تتغير حتى وإن غيرت التكتيك، ولكن ويبقى الهدف واحداً بإحكام السيطرة على هذه المنطقة لضمان إحكام السيطرة على مصادر النفط وأمن دولة إسرائيل ورسم خريطة المنطقة بما يضمن تحقيق تلك الأهداف، والولايات المتحدة لا تخفي ذلك في تصريحاتها الرسمية. فما بين ضرب الأنظمة غير المتجاوبة مع السياسة الأمريكية، وتقديم الدعم لدول التعاون تبقى الولايات المتحدة غير متنازلة عن تحقيق أهدافها في هذه المنطقة حتى وإن اضطرت لخوض حرباً جديدة في المنطقة، أو تقديم العون والمساندة لحليفتها لشن هذه الحرب. خصوصاً وأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتقلد المحافظين الجدد السلطة في تلك الفترة قد أرسى قواعد تكتيكية جديدة اتسمت بعسكرة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط والتي توصف بالشراسة. تلك المرحلة من الشراسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط بات التراجع عنها أمراً بعيد المنال حتى بالنسبة للإدارة الأمريكية الجديدة التي لا تستطع إلا أن تسير قدماً في تنفيذها، رغم كل تصريحاتها الناعمة، فالأفعال هي المقياس الحقيقي لتوجه السياسة الخارجية ولا يمكن الأخذ بالأقوال فقط. وعليه فترجيح ضربة عسكرية قريبة لردع أحد محاور الشر "إيران" يكون أكثر ترشيحاً في ظل تصريحات الولايات المتحدة حادة اللهجة، وأفعالها الشرسة ضد ما تنعته بالإرهاب في محاور شريرة أخرى، حتى وان خفضت إيران من لهجتها أو قلصت من نشاطاتها النووية، لأنها تبقى الهاجس الوحيد والعائق الأخير أمام الرسم الأمريكي لخريطة منطقة الشرق الأوسط. 

بقلم: د. سنية الحسيني
أستاذ العلوم السياسية
جامعة بير زيت

البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

أضف تعليق15:21, Publié par موقع عربي بومدين

البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية



اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة



للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966



تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976 وفقا لأحكام المادة 9



 



إن الدول الأطراف في هذا البروتوكول،



إذ ترى من المناسب، تعزيزا لإدراك مقاصد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المشار إليه فيما يلي باسم "العهد") ولتنفيذ أحكامه، تمكين اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، المنشأة بموجب أحكام الجزء الرابع من العهد (المشار إليها فيما يلي باسم "اللجنة")، من القيام وفقا لأحكام هذا البروتوكول، باستلام ونظر الرسائل المقدمة من الأفراد الذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك لأي حق من الحقوق المقررة في العهد،



قد اتفقت على ما يلي:



المادة 1

تعترف كل دولة طرف في العهد، تصبح طرفا في هذا البروتوكول، باختصاص اللجنة في استلام ونظر الرسائل المقدمة من الأفراد الداخلين في ولاية تلك الدولة الطرف والذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك من جانبها لأي حق من الحقوق المقررة في العهد. ولا يجوز للجنة استلام أية رسالة تتعلق بأية دولة طرف في العهد لا تكون طرفا في هذا البروتوكول.



المادة 2

رهنا بأحكام المادة 1، للأفراد الذين يدعون أن أي حق من حقوقهم المذكورة في العهد قد انتهك، والذين يكونون قد استنفدوا جميع طرق التظلم المحلية المتاحة، تقديم رسالة كتابية إلى اللجنة لتنظر فيها.



 



المادة 3

على اللجنة أن تقرر رفض أية رسالة مقدمة بموجب هذا البروتوكول تكون غفلا من التوقيع أو تكون، في رأى اللجنة منطوية على إساءة استعمال لحق تقديم الرسائل أو منافية لأحكام العهد.



المادة 4

1- رهنا بأحكام المادة 3، تحيل اللجنة أية رسالة قدمت إليها بموجب هذا البروتوكول إلى الدولة الطرف في هذا البروتوكول والمتهمة بانتهاك أي حكم من أحكام العهد.



2- تقوم الدولة المذكورة، في غضون ستة أشهر، بموافاة اللجنة بالإيضاحات أو البيانات الكتابية اللازمة لجلاء المسألة، مع الإشارة عند الاقتضاء إلى أية تدابير لرفع الظلامة قد تكون اتخذتها.



المادة 5

1- تنظر اللجنة في الرسائل التي تتلقاها بموجب هذا البروتوكول في ضوء جميع المعلومات الكتابية الموفرة لها من قبل الفرد المعنى ومن قبل الدولة الطرف المعنية.



2- لا يجوز للجنة أن تنظر في أية رسالة من أي فرد إلا بعد التأكد من:



أ) عدم كون المسألة ذاتها محل دراسة بالفعل من قبل هيئة أخرى من هيئات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية،



ب) كون الفرد المعنى قد استنفذ جميع طرق التظلم المحلية المتاحة. ولا تنطبق هذه القاعدة في الحالات التي تستغرق فيها إجراءات التظلم مددا تتجاوز الحدود المعقولة.



3- تنظر اللجنة في الرسائل المنصوص عليها في هذا البروتوكول في اجتماعات مغلقة.



4- تقوم اللجنة بإرسال الرأي الذي انتهت إليه إلى الدولة الطرف المعنية وإلى الفرد.



المادة 6

تدرج اللجنة في التقرير السنوي الذي تضعه عملا بالمادة 45 من العهد ملخصا للأعمال التي قامت بها في إطار هذا البروتوكول.



 

المادة 7

بانتظار تحقيق أغراض القرار 1514 (د- 15) الذي اعتمدته الجمعية العامة في 14 كانون الأول/ديسمبر 1960 بشأن إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، لا تفرض أحكام هذا البروتوكول أي تقييد من أي نوع لحق تقديم الالتماسات الممنوح لهذه الشعوب في ميثاق الأمم المتحدة وفى غيره من الاتفاقيات والصكوك الدولية المعقودة برعاية الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.



المادة 8

1- هذا البروتوكول متاح لتوقيع أي دولة وقعت العهد.



2- يخضع هذا البرتوكول لتصديق أية دولة صدقت العهد أو انضمت إليه. وتودع صكوك التصديق لدى الأمين العام للأمم المتحدة.



3- يتاح الانضمام إلى هذا البروتوكول لأية دولة صدقت العهد أو انضمت إليه.



4- يقع الانضمام بإيداع صك انضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة.



5- يخطر الأمين العام للأمم المتحدة جميع الدول التي وقعت هذا البروتوكول أو انضمت إليه بإيداع كل صك من صكوك التصديق أو الانضمام.



المادة 9

1- رهنا ببدء نفاذ العهد، يبدأ نفاذ هذا البروتوكول بعد ثلاثة أشهر من تاريخ إيداع صك التصديق أو الانضمام العاشر لدى الأمين العام للأمم المتحدة.



2- أما الدول التي تصدق هذا البروتوكول أو تنضم إليه بعد أن يكون قد تم إيداع صك التصديق أو الانضمام العاشر فيبدأ نفاذ هذا البروتوكول إزاء كل منها بعد ثلاثة أشهر من تاريخ إيداع صك تصديقه أو صك انضمامها.



  المادة 10

تنطبق أحكام هذا البروتوكول، دون أي قيد أو استثناء، على الوحدات التي تتشكل منها الدول الاتحادية.



 

المادة 11

1- لأية دولة طرف في هذا البروتوكول أن تقترح تعديلا عليه تودعه لدى الأمين العام للأمم المتحدة. وعلى إثر ذلك يقوم الأمين العام بإبلاغ الدول الأطراف في هذا البروتوكول بأية تعديلات مقترحة، طالبا إليها إعلامه عما إذا كانت تحبذ عقد مؤتمر للدول الأطراف للنظر في تلك المقترحات والتصويت عليها. فإذا حبذ عقد المؤتمر ثلث الدول الأطراف على الأقل عقده الأمين العام برعاية الأمم المتحدة، وأي تعديل تعتمده أغلبية الدول الأطراف الحاضرة والمقترعة في المؤتمر يعرض على الجمعية العامة للأمم المتحدة لإقراره.



2- يبدأ نفاذ التعديلات متى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وقبلتها أغلبية ثلثي الدول الأطراف في هذا البروتوكول، وفقا للإجراءات الدستورية لدى كل منها.



3- متى بدأ نفاذ التعديلات تصبح ملزمة للدول الأطراف التي قبلتها، بينما تظل الدول الأطراف الأخرى ملزمة بأحكام هذا البروتوكول وبأي تعديل سابق تكون قد قبلته.



  المادة 12

1- لأية دولة طرف أن تنسحب من هذا البروتوكول في أي حين بإشعار خطى توجهه إلى الأمين العام للأمم المتحدة. ويصبح الانسحاب نافذا بعد ثلاثة أشهر من تاريخ استلام الأمين العام للإشعار.



2- لا يخل الانسحاب باستمرار انطباق أحكام هذا البروتوكول على أية رسالة مقدمة بمقتضى المادة 2 قبل تاريخ نفاذ الانسحاب.



  المادة 13

بصرف النظر عن الاخطارات التي تتم بمقتضى الفقرة 5 من المادة 8 من هذا البروتوكول، يخطر الأمين العام للأمم المتحدة جميع الدول المشار إليها في الفقرة 1 من المادة 48 من العهد بما يلي:



أ) التوقيعات والتصديقات والانضمامات التي تتم بمقتضى المادة 8،



ب) تاريخ بدء نفاذ هذا البروتوكول بمقتضى المادة 9، وتاريخ بدء نفاذ أية تعديلات تتم بمقتضى المادة 11،



ج) إشعارات الانسحاب الواردة بمقتضى المادة 12.



  المادة 14

1- يودع هذا البروتوكول، الذي تتساوى في الحجية نصوصه بالأسبانية والإنكليزية والروسية والصينية والفرنسية، في محفوظات الأمم المتحدة.



2- يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بإرسال صور مصدقة من هذا البروتوكول إلى جميع الدول المشار إليها في المادة 48 من العهد.

مفهوم الأمن في نظرية العلاقات الدولية.

تعليق واحد15:19, Publié par موقع عربي بومدين

مفهوم الأمن في نظرية العلاقات الدولية.
"تاكايوكي يامامورا".
ترجمة: عادل زقاغ.
http://www.geocities.com/adelzeggagh/secpt.html


مـقدمة 

أدت نهاية الحرب الباردة، وبشكل ملحوظ، إلى نشوء نظام عالمي جديد، فخلال الحرب الباردة برزت القوتان العظميان، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وأثرتا في مسار العلاقات الدولية لأزيد عن أربعين عاما. وقد كان الهدف الاستراتيجي لكليهما حماية أقاليمها من أي تهديد نووي، إلا أن نهاية الحرب الباردة أجبرتهما على إدخال تغييرات في تصوراتهما الأمنية والإستراتيجية.



نهاية الحرب الباردة، بالنسبة لـ "فرانسيس فوكوياما"، كانت بمثابة انتصار للديمقراطية والرأسمالية، وهي بذلك تعبر عن نهاية التاريخ. بمعنى أن التاريخ دخل مرحلته النهائية كنتيجة لانتصار الولايات المتحدة وحلفائها وسقوط الاتحاد السوفييتي والدول الشيوعية الأخرى. وطالما أن الأمن العالمي على المحك، فإنه كان على العالم أن يتعامل مع وضع شبيه ببداية التاريخ. و باختصار، فقد تتوجب على باحثي العلاقات الدولية أن يعيدوا النظر في تصوراتهم النظرية حول الأمن. ما حدى بـ "ستيفن وولت" إلى وسم هذه المرحلة ( نهاية الحرب الباردة) بمرحلة "النهضة للدراسات الأمنية"، في إشارة منه إلى ما تمثله من تطور في حقل العلاقات الدولية. ومن خلال النقاشات التي أثيرت حول مفهوم الأمن، يمكن الخلوص إلى أن المقاربة النقدية يمكنها التعامل مع أي تهديد في العلاقات الدولية.



و سوف يتم عرض بعض محاور التصور النقدي للأمن، ولكن سيتم في المقام الأول استعراض التصور الواقعي الذي هيمن على هذا الحقل المعرفي، ليتبع بتصور الأمن الجماعي ونظرية السلام الديمقراطي، وأخيرا سيتم تحديد مقتضيات الأمن النقدي في الوقت الحالي.



الواقعية في العلاقات الدولية



سيتم استعراض التصور الواقعي وفحص نظرته للأمن في العلاقات الدولية. الواقعية هي الطريقة التي يتم وفقها النظر إلى العلاقات الدولية كعلاقات قوة. ويتعين علينا الرجوع إلى اليونان القديمة والصين إذا أردنا تتبع جذور هذه النظرية. إذ أسسّ" توسيديدس" للواقعية ولعلاقات القوة التي تقوم عليها عبر تأريخه للحرب التي دارت رحاها بين أثينا و إسبرطا، والتي عرفت بـ"الحرب البيلونيزية"، وقد قال في هذا الصدد أن: "إرساء معايير العدالة يعتمد على نوع القوة التي تسندها، وفي الواقع، فإن القوي يفعل ما تمكنه قوته من فعله، أما الضعيف فليس عليه سوى تقبل ما لا يستطيع رفضه". وبدوره أسدى "سان تسو"، الاستراتيجي الصيني الذي عاش في زمن "مو تي"، النصح للحاكم وكيفية صيانة بقائه، واستعمال القوة لتعزيز مصالحه خلال زمن الحرب، وهذا لأول مرة في التاريخ. وبعدها بقرون، في إيطاليا عصر النهضة، كتب الفيلسوف الإيطالي "نيكولا ميكيافيلي" حول القوة وصيانة الدول لوجودها وهذا في معرض  استشاراته  للأمير الذي كان يعيش وضعا مماثلا لوضع الصين القديمة زمن سان تسو، وفي كتابه "الأمير" نصح ميكيافيلي الحاكم بجعل القوة والحالة الأمنية فوق كل اعتبار، ونحن اليوم نستعمل مصطلح الميكيافيلية لوسم استخدامات القوة بشكل مفرط بهدف  التحكم في الأمور. وفي عام 1700، أوجد الفيلسوف السياسي الإنجليزي "توماس هوبز" تصور "حالة الفطرة" و"الليفياتان" وأظهر أن الحروب والنزاعات بين الدول شيء لا يمكن تجنبه. ويعني "الليفياتان" ما نحتاجه لـ "إقرار النظام وإنهاء الفوضى المميزة لحالة الفطرة"، ويمكن أن يلعب هذا الدور "حاكم أعلى" أو "سلطة الدولة"، ويرتئي هوبز أن الإنسان الذي يعيش "حالة الفطرة"، إنما يعيش وضعا يقاتل فيه الكل بعضهم بعضا.



هذه الرؤية أثرت في التصور الواقعي للعلاقات الدولية، وهذه الصورة حول الفرد تنطبق على العلاقات بين الدول، لأنه لا وجود لـ "الليفياتان" أو القوة الفوقية. و بهذا فإن النظام العالمي الذي تتفاعل فيه الدولة دون سلطة فوقية يمكن أن يصبح فوضويا تتصارع فيه الدول من أجل القوة وفق منطق "الكل ضد بعضهم البعض". إذن، وبحسب هوبز، فإن الدول، كفاعلين في العلاقات الدولية، تبدوا في حالة صراع دائم فيما بينها من أجل القوة. و هذا ما يجعل من الفاعلين من غير الدول كالأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي، والمنظمات غير الحكومية وغيرها لا تعتبر فاعلين من المنظور الواقعي. ونسمي هذه الحالة بالافتراض دولاتي–التمركز (أي متمحور حول الدولة). إن دور الدولة في هذه الوضعية يتمثل في حماية نفسها من الدول الأخرى، وذلك مرادف للأمن "القومي"، الذي يتمحور حول امتلاك القوة الكفيلة بحماية مصالح دولة معينة من أعدائها. و هذا ما جعل من الواقعية صراعا حول القوة في العلاقات الدولية. إذ أن النزاعات الدولية، من وجهة النظر هذه، رافقت التاريخ البشري، فعندما تحاول الدول الصراع من أجل القوة لحماية نفسها ومصالحها المحددة بزيادة مستويات القوة لديها، فهي بحاجة في ذلك إلى قرارات عقلانية حول الأمن، والهدف من ذلك هو سعيها الدائم لتعزيز مصالحها، فالدول كفاعل في العلاقات الدولية يجب أن تكون عقلانية، ويمكن اختصار كل ذلك في خمس نقاط:



1- استقيت الرؤى الواقعية من الكتابات القديمة لمفكرين مثل: سان تسو، ثوسيديديس، و هوبز.
2- الواقعية صراع من أجل القوة في العلاقات الدولية لأنه لا وجود لقوة فوقية.
3-  تعتبر الدول، من المنظور الواقعي، أهم الفاعلين على الإطلاق.
4- تحتاج الدول للأمن (القومي) لحماية مصالحها الوطنية ويدخل ضمن هذا الإطار سعيها لاكتساب القوة.
5- الدول فواعل عقلانيون يسعون لتعظيم الفوائد وتقليص التكاليف المتلازمة مع سعيها لتحقيق أهدافها.

 

























الأمن الجماعي والسلام الديمقراطي [ و هو تصور الليبراليين للأمن حيث يستبدلون مفهوم "الأمن القومي" - التصور الواقعي للأمن-بمفهوم أو منظور "الأمن الجماعي" عبر إنشاء منظمات دولية كفيلة بضمان تحقيقه]



الليبرالية هي من المنظورات التي تمتلك تصورا أمنيا مخالفا للواقعية. هذا الاتجاه يعتبر الأمن القومي والتحالفات نتاجا لتطبيق المنظور الواقعي. لكن الليبراليين يمتلكون تصورا بديلا يتمثل في الأمن الجماعي وهو، وفقا لـ "قولدستين"، يتمثل في "تشكيل تحالف موسع يضم أغلب الفاعلين الأساسيين في النظام الدولي بقصد مواجهة أي فاعل آخر". وقد وضع الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانط" أسس هذا التصور قبل قرنين من الزمن، عندما اقترح إنشاء فيدرالية تضم دول العالم، حيث تتكتل غالبية الدول الأعضاء لمعاقبة أية دولة تعتدي على دولة أخرى. وهذا يعني أن الدول الأعضاء في منظومة الأمن الجماعي ستتعاون مع بعضها البعض ضد أية دولة تسعى لتحقيق مصالح ضيقة. وهي الفكرة التي استند إليها الرئيس الأمريكي  "وودرو ويلسون" في تصوره لعالم يسوده السلام. و هو الذي قرر بعد نهاية الحرب العالمية الأولى إنشاء عصبة الأمم لتعزيز السلام في العالم في ظل الصور المروعة لضحايا الحرب. وقد صرح في جانفي 1918 بضرورة أن تقوم هذه العصبة على 14 ركيزة ستقود إلى نظام عالمي مستقر لما بعد الحرب، بما فيها ضمان حق الاستقلال للبلدان الصغيرة التي كانت ضحية لنظام توازن القوى، وإضافة إلى إنشاء منظمة دولية تسهر على إقرار الأمن كبديل لنظام توازن القوى.

لكن ولسوء الحظ، فقد أدت الفاشية في كل من ألمانيا واليابان إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الحين لم يتمكن نظام الأمن الجماعي من فرض نفسه تاركا المجال للأمن القومي والتحالفات التي ميزت العالم خلال فترة الحرب الباردة. على أن العديد من البلدان عملت في هذه الفترة على إنشاء منظمات للأمن الجماعي في مواجهة منظور الأمن القومي، وهذا ليس بهدف تعزيز أمنها العسكري فحسب بل الاقتصادي والثقافي أيضا، ومن بينها الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية وغيرها. بل إن الأمم المتحدة في حد ذاتها أنشأت في المقام الأول للعب دور منظمة أمن جماعي وذلك على الرغم من هيمنة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. ومما سبق فإن الأمن الجماعي يؤدي نظريا أربعة وظائف:

1-  الرد على أي عدوان أو أية محاولة لفرض الهيمنة- ولا يتعلق الأمر فقط بالأفعال التي تستهدف بلدانا بعينها.

2-  يتم إشراك كل الدول الأعضاء وليس ما يكفي من الأعضاء لصد المعتدي.

3-  تنظيم رد عسكري – ولا يترك للدول منفردة تحديد ما تراه إجراءات مناسبة تخصها وحدها.



ورغم وجود الكثير من العقبات في وجه تجسيد الأمن الجماعي، إلا أن هذا التصور الكانطي لا يزال قائما، وقد ثارت العديد من النقاشات حول هذه المسألة، والتي تصاعدت حدتها مع "نظرية السلام الديمقراطي" و"المجموعة الأمنية التعددية"، فضلا عن "نظام العصور الوسطى الجديد" الذي أبرزته سياسات ما بعد الحرب الباردة. لكن ومهما اختلفت التسميات إلا أن هذه التصورات تشترك في نقطة واحدة وهي أن البلدان الديمقراطية لا تلجأ إلى الحرب ضد بعضها البعض.



مع نهاية الحرب الباردة انساقت الدولة–الأمة تدريجيا بعيدا عن تبني الصيغة القديمة للأمن القومي ساعية إلى إيجاد صيغ أخرى للأمن، لأنه أصبح يتعين على هذا المفهوم أن يكون مجهزا للتعامل مع الأزمات الإقليمية، وأزمة الغذاء، وأزمة الطاقة، وأزمة التلوث البيئي وغيرها. هذه الأزمات الأربعة تعتبر حساسة جدا للحياة الإنسانية.



التصور النقدي للأمن



احتدام النقاش بين التصورين الواقعي والليبرالي للأمن والتحولات الحديثة أثارت الحاجة إلى إعادة النظر في مفهوم الأمن في إطار الأمن النقدي.

هذا المفهوم يجد جذوره في النظرية النقدية التي وضع أسسها منظرو مدرسة فرانكفورت من أمثال "ماكس هوركهاير"، و"تيودور أدورنو" و"يورقن هابرماس". وتقدم المقاربات النقدية نفسها على أنها أكثر اهتماما بعرض أزمة استعراض الظواهر في الفكر الغربي (التنويري) وبالخصوص القضايا المتعلقة بالأسس، والنهايات، والاختلاف، وسلم المعرفة والرأي، والروايات الكبرى وغيرها، كما تدعي أن لديها الأدوات التحليلية الكفيلة بتوضيح المسار الذي أخذه النقاش حول مفهوم الأمن ليأخذ شكله النهائي من خلال الأمن النقدي.



وفي هذا الصدد يقول "كين بوث" إن: "طريقتي في التعامل مع هذا النقاش النقدي هو أنني أرحب بأية مقاربة تمكننا من مواجهة المعايير المشؤومة للدراسات الاستراتيجية للحرب الباردة، للوصول في نهاية الأمر إلى إعادة النظر في مفهوم الأمن، طالما أن هناك التزاما بـ"الانعتاق" (مقابل ترك موازين القوة كما هي). وفي هذا الاتجاه، فإن بوث يرى أن الأمن يعني "الانعتاق". وهكذا فإن التصور المحوري حول أمن العهد الجديد مرادف للانعتاق، والذي يعني، حسب كين بوث،  "تحرير الشعوب من القيود التي تعيق مسعاها للمضي قدما في اتجاه تجسيد خياراتها، ومن بين هذه القيود: الحرب، والفقر، والاضطهاد ونقص التعليم وغيرها كثير".

وبالنتيجة       فإن الأمن النقدي يمكنه أن يتعامل مع أي من التهديدات التي لم تؤخذ بعين الاعتبار، مثل الكوارث الطبيعية والفقر، وذلك لأن النقاش الأمني القائم، وبالأخص الواقعية وفكرها الدولاتي–التمركز، لا يمكنها من التعامل مع أي تهديد آخر عدا النزاع بين الدول.





خلاصة
إذن، وبناء على ما سبق، فإن تصور الأمن ارتبط بالواقعية، والذي يقوم على افتراض أن الأمن يتحقق بواسطة الدولة–الأمة، وبأن ذلك يحول دون نشوب النزاعات بين الدول. لكن بعد الحرب الباردة، أثارت القضايا الجديدة إشكاليات عديدة بالنسبة لمفهوم الأمن كالكوارث الطبيعية والفقر. و نحن الآن بحاجة إلى تصور الأمن النقدي لإقرار مصادر مشكلاتنا، ولتحديد حلول لها، ثم حلها بهدف تعزيز رفاهيتنا.


النظم السياسية المعاصرة، والنظم السياسية المقارنة

تعليقان15:16, Publié par موقع عربي بومدين

مقال حول النظم السياسية المعاصرة، والنظم السياسية المقارنة.

تمتاز المواضيع المتعلقة بدراسة ظاهرة السياسة كونها مواضيع قديمة وحديثة؛ قديمة لأن موضوع السياسة سبق وأن كتب عنه قبل أكثر من أربعة قرون قبل الميلاد، وحديثة لأن الكتب التي تطرقت وتتطرق إلى موضوع السياسة لا تزال تصدر بين حين وآخر ولكن بلا انقطاع؛ فقد كتب "أرسطو" ARISTOTE 'السياسة'، وهو كتاب جامع شمل دراسة نماذج لمائة وثمانية وخمسين دستور (382-322 ق.م)؛ وقد ظهر بعده "مونتيسكيو" MONTESQUIEU (1680-1755) ليغني علم السياسة بكتابه 'روح القوانين' L’ESPRIT DES LOIS ، بذلك كانا بحق رائدا علم السياسة، لأنه ما من مؤلفات كتب حول السياسة بصورة علمية تستطيع أن تتجاهل هذين العالمين سلبا أو إيجابا؛ فقد استعمل "أرسطو" الطريقة المقارنة، ولجأ "مونتسكيو" إلى تحليل الظواهر السياسية معتمدا على خطة بحثه تستند في إظهار تأثير المتغيرات على الظاهرة السياسية (جو، محيط جغرافي، سكان، طريقة العيش، الأعراف والتقاليد).

قبل استقلال علم السياسة كان الكتاب قد تناولوه تارة بأنه علم الدولة وتارة أخرى بأنه علم السلطة، ولهذا فدراسته كانت تندرج وتنضوي تحت نظريات القانون العام أو الدراسات الاجتماعية العامة.

زد على ذلك أن مواضيعه ولفترة قريبة كانت مكرسة لدراسة مقارنة لمؤسسات الدول العظمى الغربية فقط، وهذه الدول لم تكن تختلف كثيرا فيما بينها إلا فيما يخص بتوزيع السلطات من ناحية الكيفية.

إلا أن زيادة المعرفة بالمجتمعات الأخرى الحضارية منها أو البدائية وضرورة فهم العالم المعاصر ومشاكله خصوصا بما يتعلق بظهور المجتمعات الحديثة والتطورات الحاصلة ضمن المجتمعات الغربية أيضا، حتمت وبصورة ملحة إيجاد صيغ جديدة ومفاهيم حديثة تضع في موضع الشك المفاهيم التقليدية المستعملة فيما يتعلق بوصف وتحليل المجتمعات والأنظمة السياسية في العالم أجمع.

فالمفاهيم والمصطلحات الموروثة من القانون الروماني ومن الفلسفة السياسية الإنجليزية ومن تاريخ الدساتير الفرنسية والأمريكية قد فقدت لحد ما مكانتها للظهور على شكل نماذج للمفاهيم والقيم العقلانية ذات الصفة العالمية الشاملة وذلك لأن هذه المفاهيم والقيم أظهرت صعوبتها في التطبيق والأخذ بها بصورة حقائق سياسية خارج المحيط الغربي.

وقد كتب "ديفيد إيستون" DAVID EASTON في دائرة المعارف الدولية في العلوم الاجتماعية بحثا عام 1965 بخصوص العلوم السياسية ذاكرا أهمية المبادرات التي انصبت ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية لإخراج التحليل المقارن للحكومات من نطاق دراسة الأنظمة الأوروبية إلى دراسة موسعة حاوية للأنظمة السياسية في العالم الآخر المختلف ثقافيا مع العالم الغربي؛ وكانت أولى المبادرات الحديثة للأخذ بدراسة النظم السياسية بوجهة نظر جديدة هي في كتابة "روي مكريدس" ROY MACRIDIS لكتابه: 'دراسة الحكومات المقارنةTHE STUDY OF COMPARATIVE GOVERNEMENTS ، وقد تعززت هذه النظرة الحديثة لدراسة الحكومات المقارنة بظهور الكتاب التقليدي في هذا المضمار لـ "غابريال ألموند" و"جيمس كولمن" سنة 1960 والمعروف بـ 'سياسة المناطق الناميةTHE POLITICS  OF THE DEVELOPING AREA ، حيث نحى هذا الكتاب في منحى جديد في بحثه السياسي لأنظمة الشرق الأوسط وفي آسيا الجنوبية والشرقية وبدراسة أوضاع وأحوال جنوبي الصحراء الإفريقية ومتضمنا دراسة أنظمة أمريكا اللاتينية وهذه الدول تميز قسم كبير منها بوجود حضارات قديمة وأصول للحكم ذات جذور عميقة في التاريخ: حضارة بابل، حضارة ألانكا ألاستيك.

وظهرت الطبعة السابعة لهذا الكتاب عام 1970 بدون أي إضافة، إذ طالما أن الأساس الذي اعتمده الكتاب هو الناحية المنهجية.

وقد ذكر "غ.ألموند" و "ج.كولمن" بأن ما قيل حول الاختلافات بين الأنظمة في العالم الغربي وبين الأنظمة السياسية الأخرى قد بولغ فيه، فالاختلاف بين هذه الأنظمة وتلك الأنظمة متعلق بوجود التخصص وفي تقسيم الوظائف بين الأنظمة في العالم هي: للتكامل والبقاء وال حافظة على أمن النظام السياسي داخليا وخارجيا.

حيث أشار إلى النظام السياسي، وقسمه من حيث الوظائف إلى قسمين، الأول متعلق وظائف المدخلات، والثاني يتمحور حول وظائف المخرجات، أما الأولى فمتمثلة في: تجميع، توظيف والتعبير عن المصالح، بينما الثانية فتشمل كل من وظيفة صنع، تنفيذ القاعدة، والتقاضي بموجب القاعدة.

إلا أن "غ.ألموند" و "ج.كولمن" قد تعرضا للنقد الشديد، حيث لم يأتيا بالشيء الجديد، بحيث كل ما تم ذكره في هذا الكتاب ما هو إلا تحصيل حاصل للأفكار التي جاء بها "د.إيستون". 

من ذلك، كتب "غ.ألموند" و"بنغهام باول" في كتابه الثاني الصادر سنة 1966م والمعنون بـ: 'السياسات المقارنة مدخل تنمويCOMPARATIVE POLITICS, DEVELOPEMENTAL APPROACH، حيث ركز على مستويات النظام، وهي مقدمة في الآتي:

1- القدرة: (الاسـتخراجية- التوزيعية- الرمـزية- الضبطية/التنظيمية- الداخلية/الخارجية/الدولية). 

2- التحويل: يتمثل هذا المستوى في كل من وظائف المدخلات والمخرجات- أما الأولى فمتمثلة في: تجميع، توظيف والتعبير عن المصالح، بينما الثانية فتشمل كل من وظيفة صنع، تنفيذ القاعدة، والتقاضي بموجب القاعدة-.

3- التكيف: (الاتصال السياسي- المحافظة على النظام من حيث الاستقرار).

وقد ارتأينا عرض بعض النقاط الأولية فيما يتعلق بمعرفة النظام وكذا مفهومه وماهيته، حيث انبرى العديد من الكتاب في وضع تعريف للنظام، حيث عرفه "موريس ديفرجي" MAURICE DUVERGER، في كتابه: SYSTEMES ET REGIMES POLITIQUES، بأنه: »هو نموذج معين لتنظيم ما« ، ويلاحظ في هذا التعريف عموميته بدون التركيز على نظام طبيعي أو اجتماعي معين.

ويندرج تعريف كل من "هول" و"فاكن" للنظام بصورته العامة التجريدية في قولهما بأن النظام هو مجموعة مواضيع وعلاقة هذه المواضيع مع معطياتها، ومن هنا يمكن القول بأن التعريف الأكثر شمولا للنظام هو ذلك التعريف الذي يقرر احتواء النظام على عناصر من ناحية واعتماد هذه العناصر بعضها على البعض من ناحية أخرى، بحيث إذا تحول أحد هذه العناصر في النظام فإن العناصر الأخرى وبالنتيجة سوف تتحول وتتبدل.

هذا بإيجاز حول تعريف النظام، أما النظام الاجتماعي فلقد تناوله العديد من الباحثين بالدراسة، ونذكر بعض الباحثين على سبيل التوضيح، في ما يأتي.

لقد ذكر الباحث السياسي الأمريكي "روبرت دال" ROUBERT DAHL، في كتابه: 'التحليل السياسي الحديثMODERN POLITICAL ANALYSIS ، بأن الأصل العام في النظم الاجتماعية هو النظام الاجتماعي والتي تنبثق عنه النظم الفرعية الأخرى كالاقتصاد والسياسة، وهي أي هذه النظم مرتبطة ومتشابكة البعض مع البعض وقد دلل في هذا الرسم الإيضاحي شكل ترابط هذه النظم الاجتماعية.

 













إلا أن التحليل الاجتماعي الحديث يذكر بأن تقسيم المجتمع يمكن أن يتم على ضوء وجود خمسة (05) أنظمة رئيسية متعايشة تتفرع منها أنظمة ثانوية، وهذه الأنظمة الاجتماعية الرئيسية الخمسة التي يتكون منها المجتمع بكامله هي:

1- النظام التكاثري: وهو كل ما يتعلق بدراسة الأجيال وشروط تكاثرها ونموها.

2- النظام الاجتماعي الجغرافي (البيئة المحيطة): وهو ما يتعلق بعلاقة السكان بما يحيطهم من ظروف جغرافية، ومعيشية من موارد طبيعية وكيفية تواجد الجماعات بالصورة المتفرقة أو المجتمعة.

3- النظام الاقتصادي: وهو كل ما يتعلق بنشاطات السكان في الإنتاج.

4- النظام الثقافي: وهو يتلق بتوزيع وتداول التقنيات المتعارف عليها في المجتمع والتبادل وتوفير الحاجات والخدمات داخل المجتمع؛ فحسب قول "ليفي شتراو" LEVISTRAUSS من لغة، وقيم أخلاقية، ودين، ومعرفة بين سكان المجتمع.

5- النظام السياسي: وهو ما يتعلق بموضوعنا أصلا، والذي سوف نقدم تعريفا له يشمل مكانته بين بقية الأنظمة الاجتماعية ويحدد لنا حدوده وموضوعاته في دراستنا للنظم السياسية المقارنة.




- ماهية النظم السياسية المقارنة:

تعتبر دراسة النظم السياسية من فروع علم السياسة –إلى جانب العلاقات الدولية، النظرية السياسية، الإدارة العامة- بالغة الأهمية، ولقد تطورت هذه الدراسة منهجيا، وأصبحت دراسة النظم السياسية باعتبارها البيئة الطبيعية للنشاط السياسي والعملية السياسية.

فالنظم السياسية المقارنة لا تقتصر فقط على تلك الدراسة التي تنصب على تحليل التركيبات العضوية والهياكل الشكلية الممارسة للسلطة، بمعنى:

-       دراسة المؤسسات الدستورية، بل تتعدى ذلك إلى دراسة السلطة السياسية ذاتها، والوظائف التي يتم ممارستها داخل النظام السياسي ومجمل النشاط السياسي الذي يحدث فيه سواء أكان رسميا أو غير رسمي.

-       فالدراسة تتصدى إذا بالإضافة إلى الهياكل والأجهزة المكونة للنظام السياسي، ولكل ما يحدث في بيئة النظام السياسي من أنشطة ووظائف باختلاف وظيفتها والتي تؤثر في مجملها العملية السياسية، وهي الدراسة التي تقوم على المقاربة التي تعرف بـ: "المقاربة الهيكلوظيفية" STRUCTURE-FUNCTIONAL APPROACH.

-       والدراسة لم تعد تنصب فقط على تناول أشكال تنظيم ممارسة السلطة أي أشكال الدول والحكومات، بل تتعدى ذلك إلى تناول طرق تولي السلطة وكيفية الحصول على السلطان والنفوذ داخل النظام السياسي والبيئة الخاصة بالعملية السياسية.

-       فإلى جانب القوى الرسمية الظاهرة الممارسة للسلطة مثل: الأحزاب الحاكمة والممارسة للنفوذ والتأثير مثل: "أحزاب المعارضة"، توجد كذلك قوى سياسية خفية متعددة تمارس هي الأخرى تأثيرها وضغطها على السلطة وفي بعض الأحيان تكون هي المشكلة للسلطة الفعلية داخل المجتمع السياسي والمتحكمة في دواليب العمل السياسي، حيث أصبح تحديد هذه القوى المختلفة والوقوف على طبيعتها وطبيعة الأنشطة التي تمارسها أمرا لا غنى عنه بالنسبة للباحث أو الدارس الذي يريد فهم النظام السياسي.

-       كما تهتم الدراسة بالمقارنة بين مختلف أنماط المنتظمات السياسية الموجودة في العالم مثل: المقارنة بين نماذج النظم السياسية الغربية المعروفة بالديمقراطية النيابية، وكذلك النظم السياسية الغربية المعروفة بالديمقراطية الشعبية، إلى جانب نماذج من المنتظمات السياسية التي تعرف بما يسمى بالعالم الثالث، وذلك قصد الوقوف عند العوامل والظروف المؤدية إلى ذلك، وذلك بغية الوصول لا ليس إلى القانون العام، بل فقط إلى القاعدة العامة التي تتحكم في مسار الظاهرة السياسية كظاهرة إنسانية بهدف ترقية البناء النظري العام، الخاص بالظاهرة السياسية.

- تطور مسار النظريات السياسية المقارنة (التحقيب الزمني لنظريات النظم السياسية المقارنة):

أولا. نظريات السياسة المقارنة في المرحلة التقليدية (النموذج المعرفي الدولاتي):

- تمهيد:

يعود هذا الحقل -النظم السياسية المقارنة- في أسسه إلى "أرسطو" الذي يعتبر أول من استخدم منهجا مقارنا في دراسة الظاهرة السياسية، فلم تزل السياسة المقارنة تركز على تصنيف الحكومات كما فعل "أرسطو"، ولم تزل تهتم بقضية: من يحــكم ؟ ولمصلــحة من ؟

وعليه، فإن هذه المرحلة بدورها تم تقسيمها إلى مرحلتين، الأولى -المرحلة الكلاسيكية- تبدأ من زمن "أرسطو" إلى أواخر القرن التاسع عشر (19م)، والمرحلة الثانية -المرحلة التقليدية- التي تبدأ من أواخر القرن التاسع عشر (19م) حتى ظهور الثورة السلوكية.

وسيتم تناول هذه الحقبة الخاصة بالنموذج المعرفي الدّولاتي لدراسة النظم السياسية المقارنة بمرحلتيها، وسيكون ذلك بنوع من التفصيل في الآتي:


  1- إسهامات الرواد:


قبل أن نشرع في سرد أهم المنعطفات التاريخية لهذه المرحلة، وأهم روادها الذين أسهموا بإنتاجهم الفكري وإبداعهم العلمي لنموذج معرفي في التحليل السياسي المقارن، والذي ظل سائدا-النموذج المعرفي- حتى بداية تشكل العلوم السياسية كفروع مستقلة عن الفلسفة، ومنها علم السياسة؛ سنقف على أهم ما تميزت به هذه المرحلة من خصائص ومميزات، حيث كان هذا النسق قائما على:

أ- الإبداع الفردي، حيث كان يعد كل رائد أو مفكر مدْرسةً بحد ذاته؛ ولم يكن يوجد مناخ عام أو مدرسة أو منهج يتم تبنيه من عدد كبير من الباحثين.

ب - التركيز على قمة النظام السياسي فقط، وعدم إعطاء قدر من الاهتمام لبقية المكونات.

ج- سيطرة المنهجية الانطباعية، والاعتماد على المعلومات التي تم جمعها من طرف الرحالة، المبشرين، الجوالة، التجار والاستعماريون الأوائل.

د- عدم استقلال الظاهرة السياسية عن الظواهر الاجتماعية، معناه: كانت مرتبطة وذات صلة وثيقة بالظواهر الاجتماعية من حيث: الفهم، التفسير والتعليل.

هـ- الباحثين في الظاهرة السياسية كانوا موسوعيون، معناه أنه لم يكن هناك متخصصين لدراسة الظواهر السياسية.

و- علم السياسة والفلسفة، الأول عبارة عن متغير تابع للثاني، حيث كان علم السياسة مرتبطا بالفلسفة، وكان التنظير الفلسفي هو الغالب على هذه المرحلة بغض النظر عن التنظير العلمي، حيث كان التركيز على ما ينبغي أن يكون هو الطابع السائد، على غرار عما هو كائن وواقع.

انطلاقا من هذا السياق، وكما سبق الإشارة إلى محاولات متعددة لمفكرين وباحثين، من خلالهم تم تمثيلهم لنموذج معرفي في التحليل السياسي المقارن خلال هذه الحقبة من الزمن، أهمهم في التالي:

أ- أرسطو: (384-322 ق.م).

فيلسوف ومعلِّمٌ وعالم يونانيّ يُعتبر، هو وأستاذه أفلاطون، أهم فيلسوفين بين جميع فلاسفة اليونان القدماء؛ أحد أكبر وأهم مؤسسي الفكر السياسي الغربي؛ كتابه الشهير "السياسة" الذي كتب قبل خمسة وعشرين قرنا، في غناه وتحليلاته ونتائجه حول طبيعة السلطة السياسية، أيضا تأثيره الكبير الذي استمر حتى اليوم، حيث مثل أرسطو لنموذج معرفي في التحليل السياسي المقارن.

حيث بنى "أرسطو" تحليله المقارن على ما قدمه المؤرخ الإغريقي "هيرودوت"(*) من معلومات وملاحظات، وما طوره أفلاطون من إطار مفاهيمي.

وقد أرسل "أرسطو" مساعديه حول البحر المتوسط لجمع 158 دستور، وذلك لمعرفة أي الدساتير يحقق الاستقرار أكثر.

والخطوات التالية تحدد الإطار النظري الذي اعتمده "أرسطو" للمقارنة، في التالي:

أ- تحديد مشكلة البحث: وعند "أرسطو" هي متمثلة في الأسباب التي تؤدي إلى الاستقرار السياسي أو عدمه.

ب- تجميع حالات متعددة في العالم المعاصر له. - بحيث أرسل مساعديه حول البحر المتوسط لغرض جمع 158 دستور من أجل دراسته والبحث في مشكلة البحث عنده -.

جـ- تصنيف الحالات طبقا للمعايير التالية:

-     عدد الحكام: 1)- ملكي، 2)- أوليغاركي، 3)- ديمقراطي.

-     كيفية ممارسة الحكم: 1)- أوليغاركي، 2)- ديمقراطي.

-     البنية الطبقية، توزيع السلطة والقوة بين طبقات المجتمع.

د- بناء دالة أو قانون: وذلك للربط بين (ب، ج) –أي: بين دولتين- من ناحية وعملية الاستقرار السياسي أو عدمه من ناحية أخرى، ومن ثم تحديد أي النظم يحقق الاستقرار.

ومنه فرق "أرسطو" بين الدولة والحكومة، فالدولة هي وحدة اجتماعية وسياسية مكونة من جميع المواطنين هدفها هو تحقيق الاكتفاء الذاتي للجميع، بينما الحكومة هي الجهاز الذي يتولى إدارة شؤون الدولة والإشراف على الأعمال فيها؛ وينطلق أرسطو في تقسيمه لأنظمة الحكم من معيارين أحدهما عددي (كمي)، وكيفي (موضوعي)، ففيما يتعلق بالمعيار الأول يفرز "أرسطو" أن السلطة تكون على ثلاث صور (بيد فرد واحد، أو بيد أقلية محددة، أو بيد الأغلبية) وهي الأشكال التقليدية المعروفة لأنظمة الحكم (الملكية، الأرسطوقراطية، ديمقراطية)؛ وأما المعيار الموضوعي، فـ "أرسطو" يميز بين الحكومات من ناحية صلاحها أو فسادها، فإن كان الهدف الذي ترمي إليه الحكومة من قيامها بالحكم هو تحقيق المنفعة العامة، وكان حكمها مستندا على القانون، وكانت حائزة على رضا المحكومين، أما إن كانت السلطة بيد فرد أو أكثر تهدف إلى تحقيق مصالحها أو مصلحة الطبقة التي تنتمي إليها، وكان الحكم غير مستند على القانون ورضا الأفراد، فكانت الحكـومة فاسدة.

 وبالاسـتناد إلى هذين المعيارين (الكمي/ العددي، الكيفي/ الموضوعي) يقدم أرسطو تقسيما اجتماعيا يتضمن ستة (06) أشكال لنظام الحكم، ثلاثة (03) صالحة، وثلاثة (03) فاسدة:

أ- صالحة: (1- ملكية، 2- أرسطوقراطية، 3- جمهورية).

ب- فاسدة: (1- استبدادية، 2- أوليغاركية، 3- ديمقراطية).

وعليه فقد مثل تحليل "أرسطو" المقارن قاعدة أو نموذجا معرفيا ظل متبعا بعده حتى عصر النهضة، وهذه هي أهم الاجتهادات التي اعتمدت النهج المقارن لـ "أرسطو" أهمها:

1- محاولة كل من "بوليبياس" و"شيشرون" في العصر الروماني لتحويل أفكار "أرسطو" حتى تتسق مع نمط الحكم الروماني وفلسفته:

أ‌-  حيث أكد "بوليبياس" على قيمة الشكل المختلط من الحكم والذي يجمع بين عناصر الملكية والأرستقراطية والديمقراطية، ومن ثم يضبط التوازن، ويحقق فائدة هذه النماذج الثلاث.

ب‌-       أما "شيشرون" فعلى نفس النهج اشتق فكرة القانون الطبيعي.

2- محاولة "سانت توماس الإكويني" في العصور الوسطى استخدام منهج "أرسطو" في التجريد، والخروج بمبادئ عامة مثل: العدالة، الحرب العادلة والمنفعة العامة..؛ وقد توصل إلى هذه التجريدات بالبحث المقارن بين المسيحيين وغير المسيحيين.

3- محاولة "ميكيافلي" في تحديده لسياسات أميره والوصول إلى تجريد لمفهوم القوة وتطبيقاته.

4- محاولة "جون بودان" في القرن السادس عشر ميلادي (16م)، وباقتفائه أثر "أرسطو" و"ميكيافلي"، حيث درس الحكومات الأوروبية وعقد مقارنة بينها على أساس شكلها ودورها وعقدها الاجتماعي؛ وخرج بمفهومه المركزي لنظرية السيادة.

ولا يزال منهج "أرسطو" يشكل بعدا أساسيا في النظريات المعاصـرة السـياسة المقارنة؛ -حيث أن فكرة التجريد والخروج بأنماط، والتصنيف من خلال اتخاذ عدد الحكام والغرض من الحكم، لم تزل الأفكار الأساسية في معظم نظريات السياسة المقارنة-.

ب- تشارلز دي سكوندات مونتسكيو: (1689-1755م).

هو فيلسوف فرنسي، من أعماله الرئيسية "روح القوانين" 1748م الذي كان ذا تأثير كبير على كتابة الدساتير في جميع أنحاء العالم؛ ويعتقد "مونتسكيو" بأن القوانين تُشكل الأساس الذي تُبنى عليه كل الأشياء المتعلقة بالإنسان والطبيعة والمقدسات، وإن اكتشاف هذه القوانين هي إحدى واجبات الفلسفة الرئيسية؛ وقديمًا كان من الصعب دراسة الطبيعة البشرية لأن القوانين التي كانت تحكمها معقدة، وبالرغم من ذلك اعتقد "مونتسكيو" بأن هذه القوانين يمكن اكتشافها بالطرق التجريبية لتقصي الأسباب.

وبالنسبة لـ"مونتسكيو"، كانت هنالك ثلاثة أنواع رئيسية من الحكم: الملكية، والجمهورية، والحكم الاستبدادي؛ فالحكومة الملكية: كان لها سلطة محدودة في يد الملك أو الملكة، أما الجمهورية: فقد كانت إما ارستقراطية أو ديمقراطية، وبالنسبة للحكم الاستبدادي: كانت السلطة في أيدي قلة من الناس خلافًا للديمقراطية التي يملك الجميع في إطارها سلطات واسعة، وكان المستبد مسيطرًا على الحكم الاستبدادي وله مطلق السلطة، اعتقد "مونتسكيو" أن الأنظمة القانونية يجب أن تختلف وفقًا لنوع الحكومة الأساسي.

ساند "مونتسكيو" حرية البشر وعارض الاستبداد، وكان يعتقد بأن الحرية السياسية تتضمن فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية عن الحكومة؛ كما كان يؤمن بأن الحرية واحترام القانون المصوغ على الوجه الصحيح يمكن أن يبقيا معًا.

حيث نال شهرته من كتابه رسائل فارسية (1721م)، الذي سخر فيه من الحياة الباريسية والمؤسسات الفرنسية؛ فالتحق"مونتسكيو" بالأكاديمية الفرنسية عام (1727م)، وعاش في إنجلترا من 1729م حتى 1732م وكان معجبًا بالنظام السياسي الإنجليزي.



((* هيرودوت (484-425 ق.م) أول مؤرخ إغريقي أخذ على عاتقه كتابة تاريخ العالم حتى الوقت الذي عاش فيه. أطلق عليه الخطيب الروماني سيشرون أبا التاريخ.
اشتهر هيرودوت بكتبه التسعة التي كتبها عن نشأة الإمبراطورية الفارسية، وغزو الفرس لليونان في الفترة مابين عامي 490 و480ق.م، والقتال البطولي للإغريق ضد الغزاة حتى الانتصار النهائي للإغريق. وقد كتب هيرودوت التاريخ بطريقة شيقة، فقد ضمنه الكثير من القصص التي لم يكن هو نفسه يؤمن بها؛ لأن هذه القصص تجعل وصفه أكثر متعة، وقد جعل أسلوبه البسيط كتبه ممتعة منذ أيامه وحتى الآن.
وُلد هيرودوت في هاليكارناسوس في آسيا الصغرى، وقد سافر وهو في ريعان شبابه بشكل واسع من اليونان إلى الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية. وفي كل مكان يذهب إليه كان يدرس سلوك وعادات وأديان الشعوب، وتعلم كل ما يمكن أن يتعلم عن تاريخ هذه الشعوب، والأشياء التي تعلمها هيرودوت في رحلاته شكَّلت مادته التاريخية. ففي نحو سنة 447 ق.م، زار أثينا، وبعد ذلك بثلاث سنوات أقام في مستعمرة ثوري التي أسسها بيركليس في جنوبي إيطاليا. ولا يعرف شيء عن باقي حياة هيرودوت، ولكن يقال إنه توفي ودفن في ثوري.