صندوق التنبيهات أو للإعلان

المؤسسات المالية العالمية وتحديات التنمية في العالم العربي

أضف تعليق13:14, Publié par موقع عربي بومدين

قبل ما يزيد عن خمسين سنة تم الترويج لفكرة التنمية المستدامة والقائمة على الدعم الدولي الخارجي، حيث كان من اكبر مروجي تلك الرؤية الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بجانب كثير من منظري التحديث التنموي وكثير من الدول الكبرى آنذاك، وعلى الرغم من إن كثير من كبار منظري التنمية اعترفوا منذ سنوات بفشل فكرة المساعدات الدولية لتحقيق التنمية المستدامة والأمن الإنساني بمفهومه المعاصر لا يزال الجدل محتدما حول إن كان بالإمكان إنجاح عملية التنمية وتحقيق الأمن الإنساني اعتمادا على المساعدات الخارجية مقابل التنمية القائمة على الاعتماد على الذات، بل قد يذهب البعض إلى القول إن المساعدات الخارجية تأتي لتخدم عملية التنمية الداخلية ولا تتعارض معها
، على الرغم من عدة تجارب عالمية تدحض إمكانية نجاح تنمية شاملة تعتمد على الدعم الخارجي، والذي في أفضل حالاته قدم نماذج نجاح محدود وأحيانا فردية، فهل خيار المساعدات الدولية المبنية على أجندات ورؤى تنموية غير منبثقة من واقعها، ما يزال خيارا يمكن التعويل عليه؟ ناهيك عن الارتباط البنيوي ما بين تلك الأموال بالأجندات السياسية و ما يرتبط بها من مصالح اقتصادية تتحكم وتحدد ما هي القطاعات التي يتوجب صب المال فيها، بالمقابل إن لم يكن الاعتماد على المساعدات الخارجية هو الخيار فما هو البديل؟ أيمكن أن يكون بفك الارتباط بالنظام الرأسمالي والتنمية اعتمادا على الذات، وهل من الممكن الحديث عن هذا الانفصال في زمن العولمة وتشابك اقتصاديات العالم بل وعولمة الثقافة فيه، كما كيف يمكن الاعتماد على ذات تفتقر لأسس النهوض على القدمين؟


تكريس التبعية: قسوة الرأسمالية


 يحاجج البعض أن الفكرة لم تكن أكثر من تلبية لاحتياجات النظام الرأسمالي في تهيئة سوق تستوعب منتجاته من جهة، ومن ناحية أخرى لا تعدو التنمية في النهاية إلا زيادة في خلق حالة تبعية الإطراف والتي بحاجة إلى تحسين قدراتها لتلبية استحقاقات تلك التبعية للمركز الرأسمالي الذي يتقدم بسرعة مذهلة، حيث يستخدم مدخل التنمية والمساعدات والقروض وخطط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في النهاية لتحقيق حالة التبعية السياسية والاقتصادية للمركز الرأسمالي، كي لا يسمح لأي دولة أن تشب عن الطوق وتتمرد، وفشل نظريات النمو الاقتصادي دليل على ذلك، في حين أن الأزمة التي تعاني منها نظرية التنمية البشرية المستدامة واضحة هي الأخرى في ظل العولمة، التي تهيكل اقتصاديات العالم الثالث بناء على مصالحها وبالتالي تعيد بناء اقتصاديات دول الأطراف وأولويات التنمية فيها بما يخدم الرأسمال الامبريالي تحت خطابات التنمية أو خطط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالحد من دور الدولة القطرية في الاقتصاد والخصخصة...، كما لا يخفى أن مشاريع التنمية الصغيرة والمرأة وغيرها من تجارب النجاح لا يعول عليها في النهاية كي تحقق عملية تنمية شاملة ومستدامة.


         لذلك حتى المساعدات المجانية ليست بريئة أو مجانية فهي تأتي بناء على أولويات المانحين وليس الدول الممنوحة، حيث لا توفر هذه المساعدات إلا البنية التحتية المطلوبة من قبل المركز الرأسمالي كي تساعده على تسهيل عملية هيمنته ونهبه لا أكثر، ولكي تدمر أي انجاز قد حققته دول العالم الثالث ، وذلك بجعل الاعتماد على المساعدات عوض الاستمرار في بناء وسائل وإمكانيات خلق اقتصاد قوي يمكن إرساء تنمية بشرية مستدامة حقيقة عليه، ومثال المساعدات الأمريكية لمصر بعد اتفاقية كامب ديفيد تثبت كيف حولت مصر من منتج للقمح لمعتمد على القمح الأمريكي والمساعدات المالية الأمريكية التي صارت تستخدم كأداة ضغط سياسي واقتصادي، وواقع فلسطين مع الممولين والمانحين يثبت ذلك حاليا تحت الحصار، كذلك ما تتلقاه دول كثيرة في العالم من مساعدات تنفق على تطوير قطاع الخدمات والطرق والمواصلات وصناعة تصدير النفط وتصدير المواد الخام تثبت ذلك، لذا فان التنمية البشرية المستدامة جاءت فقط بعد فشل نظريات التنمية القائمة على النمو الاقتصادي التي أودت بدول العالم الثالث إلى كوارث اقتصادية، فجاءت الصرعة الأخيرة ليتم تقبلها من العالم الثالث ولتؤدي نفس الدور السابق ولكن بشكل أخر، دمج فيه البشر لتعميم ثقافة العولمة الامبريالية وثقافة الاستهلاك ،  وعليه فان المساعدات المالية في النهاية لا تعمل على خلق تنمية مستدامة وشاملة بل هي باختصار الجزرة المرادفة للعصا الامبريالية، بل لو قورن بين ما قدم لبلدان العالم الثالث من مساعدات خارجية وما بين تم نهبه منها على يد القوى الامبريالية العالمية وأدواتها من الشركات متعددة الجنسيات والعابرة للحدود، لرأينا كيف تكون التنمية عملية بائسة مدعومة بالنوايا الحسنة لدي البعض،  فكيف يمكن تنمية بلد ما إن لم يكن فيها شبكة طرق على سبيل المثال أو إذا كانت معدلات الأمية تتجاوز ثلاثة أرباع السكان، بل كيف إن كانت تلك البلد عبارة عن ركام يطفو في بحر حروب لأكثر من ثلاثة عقود مثل أفغانستان أو العراق أو الأراضي الفلسطينية المحتلة التي ترزح تحت الاحتلال لأكثر من أربعة عقود ولذلك كان خطاب التنمية المبنية على المساعدات الخارجية منذ انبثق متمحورا على مبدأ التحديث الذي تقوم به الدول المتقدمة تجاه الدول" المتخلفة أو النامية فيما بعد" وهو الأمر الذي أسس لذهنية العمل التنموي الغربي بصورة عامة وفي رؤية الآخر المتخلف مهما كانت النوايا حسنة، قد يكون مبدأ تقديم المساعدات من الخارج صحيحا غير إن ارتباطه بمخططات استعمارية سياسيا و اقتصاديا لم تجعله يؤدي لإطلاق عمليات تنمية حول العالم بقدر ما كرس هيمنة اقتصادية اكبر للقوى الامبريالية على دول بحاجة للتنمية وجعلها مصدرا للمواد الخام واليد العاملة الرخيصة، ناهيك عن تكريس نخب كمبرادورية محلية فاسدة ، وهو ما تعكسه تجارب المساعدات الخارجية المذكورة في كل من أفغانستان والعراق وحتى الأراضي الفلسطينية المحتلة.


رفض المساعدات: الواقع والبدائل


         غير إن التحليل السابق لعملية التنمية وبالتحديد المساعدات الخارجية ، لا يجيب بدوره على كثير من الأسئلة،  فرفض الدعم الدولي المشروط برؤى من الخارج يفضي الى سؤال ما هو البديل؟ ثم  الم تؤدي المساعدات الخارجية كما هي إلى تحقيق نهضة ما في تلك البلدان؟ يمكن القول إن الاعتماد على الذات هو المطلوب لإطلاق تنمية شاملة حقيقية، وهنا أيضا حاجة للمساعدات الدولية ولكنها مشروطة بتوفر الكفاءات  والإمكانيات المحلية التي يمكن لها أن تحدد ومن ثم تنفذ عملية التنمية، مال نظيف و كفاءة ملائمة للمتلقي كي تتوفر له القدرة على تحديد عملية التنمية وأولوياتها وتنفيذها ليكون هو نفسه مركزها، ؟ قد تكون الأراضي الفلسطينية مثالا مركبا لتتبع مقولات التنمية والدعم الخارجي، فإذا كان الكثير من التجارب قد أثبتت فشل مشاريع التنمية في تحقيق الحد الأدنى من النتائج في دول مستقلة وليست تحت احتلال، على الرغم من كون العديد منها غير ديمقراطي أو هو ديكتاتوريات عسكرية، فكيف الحال بمن هو تحت الاحتلال،  لقد خضعت الأراضي الفلسطينية  للاحتلال الإسرائيلي لأكثر من أربعين سنة، أبقتها مغيبة عن كل ما له علاقة بالتنمية ، بل إن الادهي من ذلك هو أن هذا الاحتلال ومع مجيء ما يسمى بمرحلة السلام، فقام هذا الخلل البنيوي وكرس من خلال الاتفاقيات نفوذه بحيث أعاق أي محاولة للتقدم على صعيد التنمية وخلق اقتصاد فلسطيني قادر على أن يبنى عليه تنمية بكل مسمياتها المتعددة، فكيف سيتم توسيع خيارات الناس وتعزز قدراتهم من اجل استخدام امثل لتلك الخيارات (وهذا تعريف التنمية البشرية حسب الأمم المتحدة) في ظل احتلال لا هم له إلا تقييد بل تحطيم خيارات وقدرات الفلسطينيين، بل حتى على نطاق نظريات النمو الاقتصادي الآفلة، كيف يحقق هذا النمو الاقتصادي ، والاحتلال ببساطة ينفى أي اقتصاد فلسطيني بجرة قلم من سلطاته كما يفعلون ألان، حيث تعاق عملية التعليم والخدمات الصحية ووتيرة البطالة وصلت لحد قياسي.
  
       إذن يمكن القول إن المساعدات مجدية في حالة كونها منبثقة عن فك الارتباط باقتصاديات القوى الامبريالية  والتي توجه الكم الأكبر من الدعم المالي الخارجي، ونقصد بفك الارتباط القائم على هيمنة طرف على آخر، بدءا من الهيمنة السياسية والتي هي رديف للاحتلال الإسرائيلي ومطالب الدول المتنفذة في ما يسمى عملية السلام في حالة فلسطين، أن يكون هذا الدعم المالي سواء كان على شكل منح أو قروض ميسرة نظيفا من غايات الابتزاز السياسي والهيمنة الاقتصادية من جهة، وان تكون هذه المساعدات متوافقة مع إمكانيات واقعها وقدرته على التماشي معها، وهذا لا يغدو ممكنا دون أن توجه هذه المساعدات الخارجية بناءا على أجندات داخلية تنظر لعملية التنمية صيرورة داخلية بدءا من كونها رؤية إلى تنفيذها، حيث لم يعد مقبولا تقديم الممولين لأنفسهم كخبراء بمصالح الآخرين، فلو كان هذا صحيحا لكانت مليارات الدعم المقدم والمشرف عليه من قبل الممولين في كثير من بلدان العالم قد أدت لتنمية في الوقت الذي كرست فيه الفقر والفساد بنشوء نخب مالية متحالفة سياسيا مع أطراف خارج بلدانها.


فهل هو من الممكن أن يقدم البعض المال والخبرات إن طلبت منه مجانا، وهل من يقبع في الحضيض قادر على انتشال نفسه بنفسه؟ قد يكون الجواب بلا يعكس يأسا كبيرا.


أمام هده الحقيقة على الدول العربية بما فيها الجزائر أن تنتهج سياسات نابعة من الاعتماد على الإمكانيات المحلية للنهوض بعملية التنمية وتحقيق الأمن الإنساني العربي في ظل منطق القوة الأمريكية القائمة على الهيمنة تحت شعار العولمة، كذلك لا بد على الدول العربية إعادة النظر في التزاماتها مع المؤسسات المالية العالمية للتخلص من شروطها المجحفة التي ساهمت بشكل كبير في عرقلة التنمية وفرض منطق القوة القائم على الهيمنة الاقتصادية، وهو مبدأ لا ينكره أحد في العلاقات الدولية السائدة.


كذلك يجب على الدول العربية إعادة النظر في علاقاتها ببعضها البعض بغية تحقيق التكامل خاصة وأن كل شروطه متوفرة بغية وقف نزيف الهيمنة المالية وسياسة إركاع شعوبها التي تنتهجها الدول الكبرى من خلال هده الأدوات التي تستعملها كأداة ضغط اقتصادية خدمة لمآربها.


ورجوعا إلى الجزائر فالملاحظ أنها وخلال السنوات الأخيرة قد تمكنت من انتشال نفسها من فخ المؤسسات المالية العالمية وهدا ما يظهر جليا من خلال الانتعاش الاقتصادي وتحسن الظروف المعيشية...على الدول العربية بما فيها الجزائر أن تستفيد من تجاربها مع هده الهيئات المالية العالمية معتمدة في دلك على ما تسخر به  من إمكانيات شرط التسيير الرشيد والسليم بغية الوصول إلى التنمية المستدامة وتحقيق أمن الإنسان العربي.

Modifier l'article…

هل تريد التعليق على التدوينة ؟