صندوق التنبيهات أو للإعلان

السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر

أضف تعليق15:25, Publié par موقع عربي بومدين

على الرغم من التغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن هذه السياسة بدأت تتحدد وترسم قبل ذلك بعقود. كانت الولايات المتحدة قد فقدت "المحفز الاستراتيجي" بعد الحرب الباردة، والذي تمثل بالتهديد السوفيتي، والخطر الشيوعي، فاتجهت أنظار السياسة الأمريكية إلى تصوير الأصولية الإسلامية " الارهاب" كتهديد ليس فقط لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية بل للقيم الديمقراطية الغربية عموماً، محددة بذلك ملامح "المحفز الاستراتيجي الجديد". وتعود أهمية هذا المحفز في دولة تعتمد الديمقراطية طريقاً للحكم، لضمان استمرار التأييد والدعم الشعبي لسياسة التفوق العسكري النوعي.

جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتمثل نقطة تحول في صياغة النظام العالمي للقرن الحادي والعشرين بعد أن أتاحت الفرصة أمام الولايات المتحدة لتحديد معايير "المحفز الاستراتيجي" الإرهاب العالمي من وجه النظر الأمريكية، والذي تحتاج إليه الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية، لتسترجع مرة أخرى لهجتها القوية في سنوات الحرب الباردة "من ليس معنا فهو ضدنا". وتشير الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط إلى أن الحرب على الإرهاب هو التحدي الحاسم الذي يواجه هذا الجيل تماماً مثله مثل الكفاح ضد الشيوعية والفاشية تحديات الأجيال السابقة". أي أن الولايات المتحدة لم تعد تواجه خصماً استراتيجياً أو بلداً وحيداً أو متحالفاً عبر الحدود وإنما بات خطر الإرهاب قادماً من قبل خلايا إرهابية مزروعة داخل البلدان المختلفة، مما يعني أن الجغرافيا السياسية أصبحت محور الارتكاز في السياسة الخارجية الأمريكية بشكل لم يسبق له مثيل منذ نهاية الحرب الباردة.

كما أدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى تعزيز المكانة العالمية للولايات المتحدة، ودفع القوى المنافسة لها في أوروبا الموحدة واليابان وروسيا الاتحادية والصين والهند إلى التعاون بصورة وثيقة معها وهي مسألة لم تكن متوقعة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مما أدى إلى بناء علاقة شراكة جديدة بين الجانبين. وبينما كانت السياسة الخارجية الأمريكية تمثل بانفرادية، أقنعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر جميع القوى الدولية بان الإرهاب أصبح يمثل تهديداً داهماً وأن أياً من هذه القوى لا تملك بمفردها الوسائل الكفيلة لمواجهة هذه التهديد. ويمكن للمتابع رصد ذلك التحول في العلاقة من خلال تغير لغة الخطاب السياسي الأمريكي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي طالبت بالعودة من جديد للحوار والتعاون والتنسيق مع أوروبا القديمة.

وتوضح طبيعة الأهداف الأمريكية اليوم (الإستراتيجية الأمريكية) في منطقة الشرق الأوسط استمرار التوجه العام لتلك السياسة الأمريكية ولكن في ظل استخدام تكتيك أكثر حدية. ولم تخرج أهداف السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط عن الحفاظ على أمن وتفوق إسرائيل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، والسيطرة المباشرة على أهم مصادر الطاقة في العالم المتمثلة في النفط العربي، كأكبر مخزون للنفط العالمي، وإعادة رسم خارطة القوى السياسية في منطقة الشرق الأوسط.

وقد يكون خوض الولايات المتحدة لحرب الخليج الثانية والثالثة، والتزامها الصارم بسياسة العقوبات والاحتواء في غضون الأعوام الواقعة بين الحربين، يعود إلى حرص الولايات المتحدة حماية مصادر حصولها التقليدي على النفط، وتوسيعها بمصادر نفطية جديدة (العراق). وعلى الرغم من أن عامل النفط يملي على الولايات المتحدة الحفاظ على سياسة الاستقرار في المنطقة، إلا أن حربي الخليج عكستا تحولاً كبيراً في تكتيكات السياسة الأمريكية الشرق أوسطية، استمد مقوماته من انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي وتفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم،
تلك المقومات التي سمحت للولايات المتحدة بتحديد معنى وحدود الاستقرار في المنطقة الشرق أوسطية. ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتعطي الولايات المتحدة فرصة أو مبرراً لتحقيق أهدافها في منطقة الشرق الأوسط باستخدام وسائل "تكتيكات" دون حدود أو قيود في ظل تثبيت المقومات السابقة.

ساهم صعود المحافظون الجدد إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية، واستخدام الولايات المتحدة لتكتيك الضربة الوقائية ضد "الإرهاب والأصولية" بدلاً من سياسة الردع والاحتواء التي كانت النهج الذي سلكته الولايات المتحدة في سياستها السابقة. ويعتبر المحافظون الجدد ذو التوجهات الأكثر ايجابية تجاه الصهيونية وإسرائيل مقارنة باليمين المحافظ، ويحملوا أفكاراً ومعتقدات معادية للإسلام والمسلمين و العرب.

باتت سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط قليلة الصبر تجاه مصادر الخطر والنزاع في المنطقة، وأصبحت الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام كامل نفوذها وجل قوتها للتخلص مما قد تعتبره مصدر تهديد لأمنها ومصالحها، لتعود بذلك للمربع الأول بفرض الاستقرار حتى لو اضطرت لفرضه قسراًً وعنوة. 

امتد مركز الاهتمام الأمريكي من قلب الخليج العربي بعد أن بات أداة طيعة في يد الاستراتيجية الأمريكية إلى بلاد الشام، حيث بدأت بإحكام سيطرتها على المنطقة بأسرها، إما من خلال ضمان أنظمة صديقة أو محاربة للأنظمة المتمردة بفرض الديمقراطية أو محاربة الإرهاب. وقد تجسد ذلك الاهتمام مختلطاً بالتنسيق مع القوى الكبرى في قرار "مجلس الأمن 1559" الذي طالب سوريا بسحب قواتها من لبنان، وما سمي بالإصلاح السياسي ونشر الديمقراطية في هذه الدول.

تبنت الولايات المتحدة إستراتيجية أكثر جرأة في مجال مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل بعد إعلانها أن ذلك جزءاً من إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي والتي تؤكد إبقاء أخطر أسلحة العالم بعيدة عن أيدي أكثر الأشخاص خطورة في العالم. وعلى الرغم من أن هذه التوجهات لم تكن بالجديدة وإنما هي جزءاً من سياسة قديمة جديدة تنتهجها الولايات المتحدة بتكتيكات مختلفة سعيا لتحقيق أهداف سياستها الخارجية في منطقة الشرق الأوسط، لكن الجديد جرأة وعنف التكتيكات المستخدمة لتحقيق تلك الأهداف، في ظل وجود المبرر "أحداث الحادي عشر من سبتمبر" وعدم وجود الرادع. وكان (بول وولفتز) نائب وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت، قد حدد اتجاهات الولايات المتحدة في سياستها الخارجية في مذكرة أعدها عام 1992، "بضرورة ردع أي قوة محتملة تتطلع للقيام بدور عالمي أو إقليمي"، وذلك كان يبدو ممكناً في ظل اختفاء الرادع الاستراتيجي في تلك الفترة، إلا أنه يبدو اليوم منطقياً في ظل وجود المبرر وعدم وجود الرادع. 

وقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق (جورج دبليو بوش) صراحة في أيلول سبتمبر 2002، عن تنفيذ تلك الإستراتيجية الأمريكية الجريئة والتي عرفت بـ "مذهب بوش"، بإعلانه عن تقييد حصول الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة محاوراً للشر، على أسلحة الدمار، الشامل وتطوير كل الإمكانيات التي توفر الحماية للولايات المتحدة بتفعيل جميع الاتفاقات المتعلقة بذلك، كاتفاقية الحد من الانتشار النووي، واتفاقية الأسلحة البيولوجية، واتفاقية خفض التسلح ومسألة التفتيش على أسلحة الدمار الشامل. كما استخدمت الولايات المتحدة منهج فرض عقوبات اقتصادية دبلوماسية على الدول المتمردة على سياستها من خلال مجلس الأمن الدولي، هذا بالإضافة إلى التلويح بالقيام بضربة "عسكرية وقائية" لأي تهديد حالي أو مستقبلي من قبل تلك الدول. 

ويعود السبب وراء رفض الولايات المتحدة امتلاك إيران سلاح نووي، إلى كونه مهدداً مباشراً لأهدافها الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، فبالإضافة إلى أنه سيخل بموازين القوة في المنطقة التي تميل لصالح إسرائيل حليفتها الأولى فيها، يشكل السلاح النووي الإيراني تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة في منطقة الخليج. إن إيران بامتلاكها سلاحاً نووياً في منطقة الشرق الأوسط تشكل منافساً ومنازعاً استراتيجياً للولايات المتحدة في هذه المنطقة. فإيران دولة إسلامية تملك نفوذاً ومكانةً سياسية يجسدها دعم إيران لحركة حزب الله في لبنان، وحركة حماس في فلسطين، والتحالف الإيراني السوري، إضافة إلى الامتداد الشيعي في منطقة الخليج. إن امتلاك إيران لقوة نووية عسكرية في المنطقة سيمدها بزخم عسكري يدعم من مكانتها السياسية، ويشكل خطراً مباشراً على مصالح الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي، بل وأيضاً على حلفاء الولايات المتحدة المعروفين في هذه المنطقة. هذه السياسة توضحها بجلاء تصريحات وزيرة الخارجية السابقة (كوندايزا رايس) في كلمتها أمام لجنة الميزانية في الكونغرس عندما قالت: " إن أحد أكبر التحديات في الشرق الأوسط هي سياسة النظام الإيراني في زعزعة الوضع في أكثر مناطق العالم هشاشة.... إن سياسة إيران الإقليمية تثير قلقاً كبيراً فهي مع شريكتها سوريا تزعزع استقرار لبنان والأراضي الفلسطينية وحتى جنوب العراق".

وإذا التقت مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط بضرب القوة العسكرية النووية الإيرانية، مع أهداف الدولة العبرية "إسرائيل" تكون المعادلة السياسية قد اتضحت. إن إسرائيل تعتبر البرنامج النووي الإيراني (السلمي أو العسكري) خطراً مهدداً لوجودها وهذا ما أكده رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست بأن البرنامج النووي الإيراني يشكل "أكبر تهديد لوجود إسرائيل منذ قيامها عام 1948"، وتستغل إسرائيل التصريحات العلنية للقيادة الإيرانية ضدها لتبرير أهدافها. 

ويتبين بجلاء طبيعة العلاقة بين دور المحافظين الجدد الذين ربطوا بين الخطر النووي الإيراني وبين أمن واستقرار واستمرار الدولة العبرية في منطقة الشرق الأوسط لتبديد الحلم النووي الإيراني، بردع أي قوة تحاول البروز إقليمياً أو دولياً في منطقة تعتبر حيوية ومهمة للولايات المتحدة الأمريكية، ليحققوا بذلك أهم أهداف السياسة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط بالحفاظ على أمن الدولة العبرية والقضاء على أي خطر يهدد المصالح النفطية، وتحييد أي قوة سياسية تتدخل في الرسم الأمريكي للخريطة السياسية في المنطقة. 

من ذلك نستطيع فهم محاولات الولايات المتحدة تحجيم دور إيران الإقليمي ودور قدراتها ومكانتها ومستقبلها النووي في المنطقة، وسعيها لتغيير النظام الداخلي في طهران بعد أن خصصت مبلغ خمسة وسبعين مليون دولار أمريكي من الكونجرس لدعم خطوات دعم الديمقراطية في طهران، ووضعتها ضمن إطار الخطوات الفعلية لسياسة تغيير النظام، هذا بالإضافة إلى ضرب التيارات الإقليمية التي تدعمها إيران كحركة حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين والقيادة السورية، وتغيير أنظمة سياسية معارضة لها بالقوة كما كان في العراق، وتحييد أنظمة سياسية عربية صديقة لها، وتشجيع تيارات سياسية ذات رؤية وسياسة مؤيده لمواقف الولايات المتحدة مثل تيار المستقبل في لبنان وقيادة السلطة الوطنية الحالية في الأراضي الفلسطينية. كل ذلك يمكن أن يساعد في إعطاء تفسر لسياسة الإصلاح السياسي التي انتهجتها الولايات المتحدة لإدخال الديمقراطية وحقوق الإنسان في مبادرات الشرق الأوسط الكبير، ويلقي الضوء على حقيقة الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط. 

وكانت الولايات المتحدة قد وضعت إيران على قائمة محور الشر إلى جانب العراق وكوريا الشمالية، وقد وصف الرئيس الأمريكي السابق (جورج دبليو بوش) إيران بالدولة "الراعية للإرهاب". ورغم اختلاف "التكتيك" وسائل الولايات المتحدة لمنع وصول إيران لامتلاك القوة النووية بين الإدارات المختلفة، فما بين سياسة كلينتون "الاحتواء المزدوج" لكل من إيران والعراق، منذ عام 1993، وسن قانون الحظر (دامتر) عام 1996 ثم الضغط على أوروبا واليابان والعالم العربي لتقليص تعاونهم مع الجمهورية الإسلامية إلى سياسة بوش الابن "التهديد المباشر" لإيران والدول الأخرى في المنطقة، وأخيراً سياسة الحوار المشروط لإدارة الرئيس (باراك أوباما) يبقى الهدف الأمريكي واحداً ومحدداً باتجاه القضاء على قوة ومكانة إيران في المنطقة. 

وكانت الولايات المتحدة قد غيرت من تكتيك تحقيق أهدافها مع إيران عندما صرح الرئيس (باراك أوباما) خلال حملته الانتخابية بعيد تسلمه الرئاسة، استعداد بلاده للدخول في حوار ومباحثات نووية متعددة الأطراف مع إيران، مع الإبقاء على العقوبات كوسيلة للضغط، ودبلوماسية إقليمية مكثفة، ودولية أوسع لزيادة الضغط في حال فشل الوصول إلى التحولات المطلوبة مع إيران.

ويفصح الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" عن سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران من خلال تصريحات صرح بها بعيد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي"بنيامين نتنياهو" في 18/5/2009 حيث قال أوباما: "أننا منخرطون في عملية للتواصل مع إيران وإقناع الإيرانيين أنه ليس من مصلحتهم السعي لحيازة سلاح نووي وأن عليهم تغيير أسلوبهم. ولكنني طمأنت رئيس الوزراء أننا لا نستثني مجموعة من الخطوات، بما فيها عقوبات دولية أقوى بكثير لنضمن أن إيران تفهم أننا جادون." ويتضح بجلاء أن التقاء الأهداف الأمريكية الإسرائيلية لتحييد إيران القوية والنووية فاعل ومستمر ولم يؤثر انتخاب إدارة أمريكية جديدة عام 2009 على أي تحالف بينها بأي شكل من الأشكال.

يقول (غازيت ايفانز) رئيس مجموعة الأزمات في مقال بعنوان "الخط الأحمر النووي الصحيح":"إن ما يريده المجتمع الدولي من إيران هو الا تنتج أسلحة نووية البتة. والخط الأحمر ذو الأهمية هنا هو ذاك الموجود في قلب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، بين القدرة العسكرية والسلمية، لو اقتناع جيران إيران، بما فيهم إسرائيل والعالم الأوسع، أن ذلك الخط الأحمر سيصمد، فلن تكون قدرة إيران على إنتاج وقودها النووي بالأمر الهام. سيصمد ذلك الخط إذا استطعنا إقناع إيران بقبول مراقبة شديدة التدخل، ونظام تحقيق وتفتيش يتجاوز ضمانات معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية المطبقة حالياً ويتضمن كلا من إجراءات التفتيش الاختياري الإضافية المتاحة في تلك المعاهدة فضلا عن المزيد من الإجراءات الصارمة. ستحتاج إيران كذلك لبناء الثقة عن طريق موافقتها على إطالة الزمن اللازم لتطوير قدرات التخصيب لديها، وأن لا تقوم بأي نشاط صناعي وحدها، ولكن بالتعاون مع مجموعة دولية." ويبدو أنه حتى وإن أعلنت إيران وقف نشاطاتها النووية، فستبقى الهاجس السياسي العسكري الكبير بالنسبة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، والعدو اللدود لإسرائيل.

إن سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط لم تتغير حتى وإن غيرت التكتيك، ولكن ويبقى الهدف واحداً بإحكام السيطرة على هذه المنطقة لضمان إحكام السيطرة على مصادر النفط وأمن دولة إسرائيل ورسم خريطة المنطقة بما يضمن تحقيق تلك الأهداف، والولايات المتحدة لا تخفي ذلك في تصريحاتها الرسمية. فما بين ضرب الأنظمة غير المتجاوبة مع السياسة الأمريكية، وتقديم الدعم لدول التعاون تبقى الولايات المتحدة غير متنازلة عن تحقيق أهدافها في هذه المنطقة حتى وإن اضطرت لخوض حرباً جديدة في المنطقة، أو تقديم العون والمساندة لحليفتها لشن هذه الحرب. خصوصاً وأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتقلد المحافظين الجدد السلطة في تلك الفترة قد أرسى قواعد تكتيكية جديدة اتسمت بعسكرة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط والتي توصف بالشراسة. تلك المرحلة من الشراسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط بات التراجع عنها أمراً بعيد المنال حتى بالنسبة للإدارة الأمريكية الجديدة التي لا تستطع إلا أن تسير قدماً في تنفيذها، رغم كل تصريحاتها الناعمة، فالأفعال هي المقياس الحقيقي لتوجه السياسة الخارجية ولا يمكن الأخذ بالأقوال فقط. وعليه فترجيح ضربة عسكرية قريبة لردع أحد محاور الشر "إيران" يكون أكثر ترشيحاً في ظل تصريحات الولايات المتحدة حادة اللهجة، وأفعالها الشرسة ضد ما تنعته بالإرهاب في محاور شريرة أخرى، حتى وان خفضت إيران من لهجتها أو قلصت من نشاطاتها النووية، لأنها تبقى الهاجس الوحيد والعائق الأخير أمام الرسم الأمريكي لخريطة منطقة الشرق الأوسط. 

بقلم: د. سنية الحسيني
أستاذ العلوم السياسية
جامعة بير زيت

Modifier l'article…

هل تريد التعليق على التدوينة ؟