صندوق التنبيهات أو للإعلان

مفهوم الحكم الجيد

أضف تعليق05:16, Publié par موقع عربي بومدين

حول

مفهوم الحكم الجيد


GOOD GOVERNANCE


إعداد

يسرى مصطفى

أصبح من المسلم به الآن أننا فى حاجة إلى الديمقراطية ليس فقط على مستوى الدولة وانما على مستوى الأسرة والعمل والمنظمات التطوعية وكل أشكال حياتنا. ومع الأسف الشديد فإن المنطقة العربية هى أقل مناطق العالم من حيث التمتع بالحريات. وغياب الحريات كان له ثمنه الباهظ على مستوى كرامة المواطن، وعلى مستوى التنمية، وعلى مستوى إحساس الفرد بالأمن والأمان إزاء حاضره ومستقبله. ليست الديمقراطية مسألة ترف التمتع بالحريات التى يتمتع بها الآخرون، وإنما هى قضية حياة أو موت، قضية وجود جماعى وفردى، لأنه لا تنمية بدون حريات، ولا مستقبل بدون وعى بأننا إذ لم نشرع فى حل مشكلات الحاضر المتفاقمة، فلربما لن يكون فى مقدورنا حلها فى المستقبل.



إذا لم يعد ممكنا الفصل بين طبيعة الحكم والقدرة على تحقيق التنمية. ولكن التنمية التى يجب أن نتحدث عنها ليست مجرد أن يصبح بلدا ما غنيا، فقد يكون البلد غنى ولكن خيراته موجهة فقط لحفنة من الناس ويحرم منها الغالبية العظمى من السكان، وقد يكون ثراء هذا البلد نتيجة الاستنزاف الشديد لموارده الطبيعية وبالتالى حرمان الأجيال القادمة من التمتع بخيرات هذا البلد. ولذلك فالتنمية التى نتكلم عنها محورها البشر فى الحاضر والمستقبل، أو ما أصبح معروفا الآن باسم التنمية الانسانية المستدامة.



وإذا كانت التنمية بمعناها الإنساني هى الهدف والمبتغى حتى يتحرر الناس من الفقر والعوز، فإن الأمر يتطلب من أجل إحداث هذا النمط من التنمية خلق المناخ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والقانوني، الذى يسمح بتمكين الناس من تحقيق هذه التنمية. ويعتبر مفهوم الحكم الجيد أحد الرؤى الحديثة التى يجرى الترويج لها باعتبارها آلية سياسية كفيلة بتحقيق هذا المناخ المواتى.



ومن هنا تأتى أهمية التعرف على عناصر هذا المفهوم، ومستويات عمله. وبداية نقول أن مفهوم الحكم الجيد قد أصبح من المفاهيم الشائعة فى الكتابات الحديثة حول التنمية والديمقراطية. ولقد ساهمت التحولات التى شهدها العالم، وكان لها أثرها على العالم العربى، فى تبنى هذا المفهوم من قبل العديد من منظمات ووكالات التنمية. ولعبت المنظمات غير الحكومية التى ازدادت كما وكيفا منذ الثمانينيات دورا كبيرا فى الترويج لهذا لمفهوم على المستويات الوطنية والمحلية.



إن مفهوم "الحكم" Governance ليس مفهوما جديدا بل إنه قديم قدم الحضارة البشرية لأنه ببساطة يعنى: "عملية صناعة القرار والعملية التى يجرى من خلالها تنفيذ (أو عدم تنفيذ) القرارات". وبهذا المعنى فإن الحكم ينطبق على أكثر من صعيد: دوليا ووطنيا ومحليا، وأيضا على مستوى مؤسسات اقتصادية. وبهذا المعنى أيضا فإن الحكم بوصفه عملية لصناعة وتنفيذ القرارات، فإن التركيز فى تحليل الحكم ينصب على الفاعلين الرسميين وغير الرسميين المنخرطين فى هاتين العمليتين، وكذلك البنى أو الهياكل الموضوعة من أجل الوصول إلى القرار وتنفيذه". إذا فنحن أمام عملية وهى صناعة وتنفيذ القرارات، ولدينا فاعلين متعددين، ولدينا مستويات متعددة للحكم.



جاء مفهوم الحكم الجيد ليضفى على مفهوم الحكم بعدا عقلانيا يحقق المستهدف من هذا الحكم بحيث يوفر مناخا لتنمية انسانية بالبشر ومن أجلهم. ولهذه التنمية المنشودة بحسب البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة لها خمسة أوجه أساسية حتى تكون لصالح الفقراء والمستضعفين. نستعرض هذه الأوجه الخمسة ونرى كيف أن مفهوم الحكم الجيد قد تم صياغته بحيث يحقق متطلبات التنمية المرجوة. أما هذه الأوجه الخمسة فهى: 

                      1التمكين،

                      2 التعاون،

                      3العدل،

                      4الاستدامة،

                      5الأمن.



إذا ينبغى أن تتوافر فى الحكم الجيد مجموعة من العناصر بحيث تسمح بانتعاش وفاعلية أوجه التنمية الإنسانية المستدامة. وفى الواقع أن التعريفات حاولت تقديم أوسع نطاق ممكن من العناصر الإيجابية التى تضمن أعلى قدر من المشاركة والكفاءة فى عملية صنع واتخاذ القرارات على مختلف المستويات. فقد صاغ البعض ثلاثة عناصر رئيسة، وآخرون خمس عناصر، وثمانية أو أكثر. وفى هذه الورقة أركز أيضا على الخصائص التى يراها البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة وهيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة باعتبارها الأكثر شمولا: المشاركة، حكم القانون، الشفافية، سرعة الاستجابة، الاجماع، المساواة والشمول، الفاعلية والكفاءة، والمحاسبة، والرؤية الاستراتيجية.



       1المشاركة

تعتبر مشاركة كل من الرجال والنساء ركيزة أساسية للحكم الجيد. وقد تكون المشاركة إما بصورة مباشرة أو من خلال مؤسسات تمثيلية شرعية وسيطة. ومن الجدير الإشارة إلى ان الديمقراطية التمثيلية لا تعنى بالضرورة أن هموم الجماعات الأكثر استضعافا فى المجتمع قد تؤخذ فى الاعتبار فى عملية صنع القرار. فالمشاركة يجب أن تكون معلومة ومنظمة. ويعنى هذا حرية التجمع والتعبير من ناحية ومجتمعا مدنيا منظما من ناحية أخرى.



       2حكم القانون

يتطلب الحكم الجيد أطرا قانونية عادلة والتى يجرى تنفيذها بحيادية. ويتطلب أيضا الحماية الكاملة لحقوق الإنسان. والتنفيذ العادل للقانون يتطلب قضاء مستقلا، وشرطة محايدة وغير فاسدة.



       3الشفافية

تعنى الشفافية أن صناعة القرارات وتنفيذها تجرى وفق قواعد. وتعنى أيضا أن المعلومات متاحة ويمكن أن تصل مباشرة إلى أولئك المتأثرين بهذه القرارات وتنفيذها. وتعنى كذلك اتاحة معلومات كافية بأشكال مفهومة ومن خلال الإعلام.

 

       4سرعة الاستجابة

أن تحاول العمليات والمؤسسات أن تكون مواتية لكل الفاعلين



       5الاجماع والموافقة

ثمة فاعلين متعددين ورؤى متعددة فى المجتمع. ويتطلب الحكم الجيد توسط مختلف المصالح فى المجتمع من أجل الوصول إلى توافق واسع بشأن ما يشكل لمصلحة المشتركة لكل المجتمع وكيف يمكن تحقيقها. ويتطلب أيضا نظرة واسعة وطويلة المدى حول المطلوب من أجل تنمية إنسانية مستدامة، كيفية تحقيق أهداف مثل هذه التنمية. ويمكن فهم هذا فقط من خلال السياقات التاريخية والثقافية والاجتماعية للمجتمع.



       6المساواة والاشتمال

إن صلاح المجتمع يعتمد على ضمان شعور كل أعضائه بأن لهم حظ من المشاركة فيه ولا يشعرون بالإقصاء من التيار الرئيسى للمجتمع. ويتطلب هذا أن تحظى كل المجموعات، وخاصة المجموعات الأكثر استضعافا، بفرص من أجل تحسين أو الحفاظ على ما هو فى صالحها. 



       7الفاعلية والكفاءة

يعنى الحكم الجيد أن نتائج العمليات والمؤسسات تتفق مع احتياجات المجتمع من خلال الاستخدام الأمثل للموارد التى فى متناولها. ويغطى مفهوم الكفاءة أيضا فى سياق الحكم الجيد الاستخدام القائم على الاستدامة للموارد الطبيعية وحماية البيئة.



       8المحاسبة

تعتبر المحاسبة ركيزة أساسية للحكم الجيد. ليس فقط بالنسبة للمؤسسات الحكومية، ولكن أيضا بالنسبة للقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى التى يجب أن تخضع للمحاسبة من قبل المجتمع والقائمين على المؤسسات. ويختلف وضع من هو مسئول أما من اعتمادا على ما إذا كانت القرارات أو الأفعال المتخذة داخلية أو خارجية بالنسبة للمنظمة أو المؤسسة. وبشكل عام فإن منظمة أو مؤسسة ما يجب أن تخضع لمحاسبة أولئك المتأثرين بقراراتها أو أفعالها. والمحاسبة لا يمكن أن تكون سارية بدون شفافية وحكم القانون.



       9الرؤية الاستراتيجية

ينبغى أن يمتلك القادة والعامة، وكذلك القائمين على المؤسسات، رؤية طويلة المدى للحكم الجيد والتنمية الانسانية، بالتوازى مع الوعى بما هو مطلوب لهذه التنمية. وهناك أيضا فهما للتعقيدات التاريخية والثقافية والاجتماعية التى تعمل فى ظلها هذه الرؤية. 



وأخيرا: وفقا للعرض السابق فثمة صلة وثيقة بين الحكم الجيد والتنمية الإنسانية المستدامة، والحكم هو عملية صنع وتنفيذ، من خلال فاعلين قادرين من خلال المشاركة والكفاءة والفاعلية صنع واتخاذ هذه القرارات على كافة المستويات من المستوى المحلى وحتى المستوى الدولى. والفاعلين ليسوا فقط الحكومة، فهى مجرد فاعل من بين فاعلين آخرين، وفى مقدمتها منظمات المجتمع المدنى بكافة أشكالها.

وبالنسبة لنا من السهل علينا أن نحدد المستويات التى يجرى فيها اتخاذ قرارات معينة مثل القرية أو المدينة أو المحافظة أو الدولة، فهذه مستويات متعددة لا خلاف عليها. ولكن إذا ما تطرقنا إلى الفاعلين فى عملية اتخاذ القرارات على كل مستوى من هذه المستويات، فإن الأمر هنا يحتاج إلى وقفة. من المسئول عن اتخاذ القرار: هل هو فرد، أم مجموعة ضيقة من الأفراد أم دائرة واسعة من الأفراد والمؤسسات المعنية بهذا القرار أو ذاك؟ هل هناك مؤسسات غير مؤسسات الدولة تشارك فى صنع القرار وتنفيذه؟ وهل هذه المشاركة مكفولة لكل مؤسسات الدولة؟ 



وبالتالى، لو كان متخذ القرار هو فرد، فهل يمكن لقرار فردى أن يعبر عن مصالح جماعية؟ وهل يمكن لحفنة من الأشخاص أن تعبر عن مصالح اجتماعية واسعة؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فهل تكون عملية اتخاذ سليمة وصحيحة؟ هل يمكن أن يتحقق حكم القانون والشفافية والمحاسبة الخ، إذا كانت عملية صنع القرار وتنفيذه محتكرة من قبل فرد أو مجموعة من الأفراد؟



كل هذه التساؤلات أتركها للنقاش، حتى نجيب عليها بصورة جماعية، ومن خلال خبرتنا المعاشة.

Modifier l'article…

هل تريد التعليق على التدوينة ؟